تسمت عدد من المهارات الانسانية التي إبتدعها المنظرون قديماً فنوناً .. ومع تطور الفهم والإدراك لمقتضيات الحياة تقدمت كل مجالات التحضر والتمدن تحت غطاء الحاجة.
من هذه الفنون فن السياسة والخطابة والتمثيل والعلاقات العامة حتى وصلت إلى فن الطبخ وفن الحياكة.
أشهر ماتطور هو فن القيادة والإدارة الذي تتباهى بها التنظيمات من خلال علوم إدارة المنشاءات الإنتاجية والخدمات التي ترتبط بالمصالح العامة للمجتمعات. ينخرط فن أو علم الإدارة في زوايا عديدة من خلال ضمان التشغيل الغير مكلف والإنتاجية المربحة وإدارة الموارد البشرية المتوازنة.
هذا المنهج الإداري المتغير عبر الازمنة هو إمتداد لحضارات سابقة نضجت مع الوقت بداية من مبدأ المقايضات بالسلع مروراً بنشأة المجال الإقطاعي واستعباد البشر للوصول الى الربحية.
تمدّن الإنسان فبدّل الإقطاع والإستعباد إلى علوم إدارية مهذبة بترسية القوانين العمالية والمالية وحقوق الانسان كتعبير عن التحضر.
الواقع أن البصمة والهدف الأصلي لم يتغير فأسلوب الياقات الزرقاء والبيضاء باقٍ، وأسلوب الهرم الإداري والثواب والعقاب باقية، ولكن بطريقة منظمة تحكمها وتفصل فيها منظمات العمل والعمال.
ورغم ما يسميه المنظرون و المنتفعون من ” فنون الإدارة ” هو في الواقع ” خدع الإدارة ” .. فقد تبهر كلمات متداولة في أدبيات الخداع العلمي : مثل هيكلة، إعادة هيكلة، تدوير، ترشيد مبادرات، وغيرها .. هذه المفردات الرنانة هي حيل وأساليب ملتوية يمررها الإقطاعيون الجدد فيما يسمى حديثاً بالمدراء التنفيذيين.
هذه الحيل تقدم على شكل حزم معدة مسبقاً تتعاظم أسعارها الخيالية بعد كل مرحلة تسمى في مجملها مسارات .. ملوك هذه الخدمات هم سماسرة المكاتب الإستشارية العالمية الذين أصبحت مهنتهم مثل “التيس المستعار ” لدى كثير من القطاعات والمنشاءات لتنفيذ مخططاتهم الإدارية .. مخططات يخجل المدراء التنفيذيون من فعلها والدفاع عنها أمام موظفيهم ( المستخدمين ) خوفاً من النواحي القانونية والإجتماعية، فمثلاً الهيكلة هي غطاء قانوني لتسريح العمال، ومفردة خطط إدارية هي ضرب من الغيب المؤجل، ومفردة التدوير هي لعبة الكراسي لتمييع الأخطاء والمسؤولية، والترشيد في الإنفاق هو سبيل مفتوح وضيق لإنشاء أنفاق للفساد.
إن إنعكاس هذه الخدع الإدارية على حياة الناس ربما تحررهم من قيود الأسر الإدارية ومن رفض إستخدامهم المنظم والإلحاح في منة الطلب في الرزق، كل ذلك ينمي مناظر الفاقة و العوز على قارعة الطريق في رجل يبيع قبعته وفي امراءة تبيع خلخالها .. لعمري أن هذا حياء الرزق للمحتسب الصابر ومن ساءته أزمانه فليس له إلا إنتظار كسب درهم يرد به كرامته وشرف إنسانيته .. قدره أن ينتظر موعداً بعيداً مع ساعة الحساب في يوم لا يغني مال عن ماقد قصد صاحبه المتعالي ولا يكرم فيه إلا من كان كريماً لنيل جنة الكريم علام الغيوب.
طالما أن الإنسان يحتاج المال فسيظل مستعبداً بطرق و بفنون تختلف من زمن الى زمن، فالغني والمحتاج كلاهما مستعبد لمن فوقه يصله المال سواء في مقابل عمل أو هبه أو منة ولن يغير ذلك في ضمير المستعبِد ( بكسر الباء ) وفي شكوى المستعبَد ( بفتح الباء ) حتى يرث الله الأرض ومن عليها .. والسلام على الجميع ورحمة الله وثناءه.
********
إضافة معرفية :
“ أسباب الفشل الإداري :
الإداري الغبي لايستطيع معرفة القرار الصحيح.
والإداري الجبان لايستطيع إتخاذ القرار الصحيح.
والإداري غير الماهر لايستطيع تنفيذ القرار الصحيح. “
من كتاب “ حياة في الإدارة “ للدكتور غازي القصيبي رحمه الله.