بالأمس ظهر الجمعة الفضيلة وخير الأيام .. فقدنا أبا أحمد ( علي بن عبد الله الغانم ) .. فقده أهله وأصحابه وفقدته بلاد حوالة كلها .. فقدنا نحن أهالي حوالة في المنطقة الشرقية عميدنا .. فقدنا الأخ الأكبر وفقدنا الوالد الحنون الصبور .. فقدنا القلب المتعب بغياب أولاده .. مع كل زيارة وفي كل لحظة فقدان كان يتهاوى حتى حن القلب المتألم على جسده فأراحه .. لا مرد لقضاء الله فهو سبحانه العالم مابين عظام الضلوع من وجع وما في جوف العيون من حنين.
ذهب الرجل الكريم في ماله،الأمين في قومه، والمطيع لربه .. كان رجلاً مكافحاً في حياته منذ إنضمامه الى شركة ارامكو في أوائل السبعينيات .. كان نعم الموظف المخلص في عمله .. كان حضارياً في سلوكه .. متمدناً في طباعه .. ودوداً مع زملاءه وأصحابه .. في نفس الوقت كان إبن القرية والأهل البار .. كان بسيطاً في تعامله مع شباب وكبار جماعته في حوالة .. أحب الترحال في ثنايا الجنوب .. بات في ثنايا الجبال .. زاده الصيد وماءه صفاء الوديان .. في أرض المنطقة الشرقية وفي الدمام قضى عمره وبنى أسرته بخير المعاش وطيب الوفاء والتربية .. تنقل بين مدنها وبرها.. عاش حياة البداوة لبساطتها وعشق الصحراء لهدؤها.. إستأنس بدفء الشتاء وشبة النار .. إنتظر هلال الوسم وهطول المطر فعشق ربيع الفاضلي والنعيرية والجبيل.
إستقر به الحال في إستراحته الدائمة في ( صلاصل ) البرية .. زرع النخل وطيب الثمار .. كان مجلسه عامراً بالأصحاب والأقارب .. كان مقصداً ومرحباً للمحبة والتآلف … كان لا ينقطع عن الإستراحة .. كانت ملاذاً له لينسى همومه وأتعابه .. كان في ( صلاصل ) مع قلبه وتعب نفسه يناجي بهما الله ..
كانت ( صلاصل ) هي المكان الذي اختاره الله أن يكون فيها ألمه الأخير ومنها النفس تعود الى بارئها ..
كانت ( صلاصل ) على موعد لبث حزن إمتد مسافات ليصل ابقيق ثم الى الدمام والجبيل ويسري عبر البلاد لتحزن حوالة والرياض وجدة والطائف وأبها.
رحمك الله أبا أحمد .. عرفتك قريباً بالمودة وصديقاً بالوفاء ورفيقاً في السفر .. عرفتك منذ وصولي الأول الى المنطقة الشرقية .. كنت الأنس والنصوح لي طالباً في جامعة البترول ..
لا أنسى قهوة الجامعة وتمتعك بها ونحن نمارس هوايتك المفضلة البلياردو في صالات الجامعة و قاعات ارامكو ..
لا أنسى قضاءي لعطلة نهاية الاسبوع مرات عديدة في ضيافتك في رأس تنورة في مساكن رحيمة ..
لا أنسى مشاوير ابقيق والجبيل والبحرين والكويت ومتعة التجول في الظهران والخبر ..
لا أنسى تلك المودة والإبتسامة والمواقف التي لازمتنا في تلك الفترة.
رحمك الله أبا أحمد .. تفارقت بيننا الطرق بسبب هموم ومشاغل الحياة .. تفارقنا لفترة في حياتنا على أمل أن نلتقي يوماً ونستذكر الأيام السعيدة .. تعبنا من الدنيا وكان التقاعد فرصة لأن نستجمع قوانا في جسد الستين لكن القلوب تنهار خفية أكثر من الأجساد . . تلاشت المواعيد وحكم الله حكمه ولا مرد لحكمه … كنت أنت وأنا خلق في الدنيا فيها مصير الختام واحد لكن الأوقات تختلف .. كنت أسرع الى لقاء ربك فكنت أنت المحظوظ من رب كريم.
لقد حوى ثرى ابقيق جثمانك الطاهر مثلما تلقى ثراها جسدي يوم مولدي فجمعتنا ابقيق بين بداية حياتي ونهاية أيامك .. فعسى الله أن يجمعنا في الجنة مثلما تلاقت أقدارنا في ابقيق ..لقد حزنت كل النفوس التي تعرفك ودعت لك بالمغفرة والرحمة وطيب الجنان من لدن رب رحيم غفور.
العزاء والمواساة الى أسرة فقيد الجميع ( أبو أحمد ) .. لأهله وأبناءه وإخوانه الكرام ولنا أهالي حوالة وكل من أحبه وأحببهم .. ومنا الدعاء له بالرحمة والمغفرة.
أبا أحمد : نقول لك في يوم وداعك من هذه الدنيا: إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك لمحزونون .. ولا نقول إلا ما يرضي ربنا .. إنا لله وأنا اليه راجعون.