بكل ألم ومرارة أقول أن بعض البشر لا يداويهم طبيب قلب إلا إذا تحسرت صدورهم، هذا القلب الذي من لحم ودم أصبح غائباً ويخفق عذاباً، حل مكانه أجهزة تديره، أجهزة تعاقب عليها أمهر أمراء التقنية أمثال: غيتس وجوبز وزوكربيرغ ومبتكر التويتر جاك دورسي وغيرهم وغيرهم، صاروا سادة القلوب لكنها ليست التي في الصدور ، بل بلغة البرمجة البعيدة، وبها وصلت الى عقولنا عنوة فأسرتها.
هؤلاء إستطاعوا تحطيم قلوبنا وعواطفنا، فأصبحنا نتحادث ونتعامل مع بعضنا البعض بقلوب متحجرة وتشنج فيه تنمر ومنطق واسع التبجح من خلف أسوار مفاتيح سوداء، لم يعد للقلب مكانة سوى أنه موجود في الجانب الأيسر من جسدنا، أصبحت الأصابع هي الناطقة وهي السبابة في جل وليس الكل فيما هو بعيد عن القيم والأخلاق، إختفت الأحاسيس والمشاعر والعلاقات الإنسانية، طوى مانحمله دوماً في أيدينا كل ماهو إنساني، كوّن فينا روحاً غير روحنا النقية، وفتح مجالاً واسعاً للتذمر من الوصال وسبيلاً للإنكفاء عن التلاقي، إفتقدنا الدموع الحانية وحل محلها غش التعامل وكلام السخرية في كل ماهو أصيل، أصبحت الدنيا تلاسن وتباغض، تهاوت معها المثل والفضائل، صارت العلاقات البشرية ضرباً من التاريخ وباتت الصداقة خفية وغير مؤتمنة، والبشر نالت منهم غايات مقنعة وأرقام منتشرة، غابت الأسماء وبدلت بالرموز كهوية.
تآكلت قيم المجتمعات وأصبحت فاسدة بدخول الشبكات، ذهبت معها أخلاق رغم بعد المسافات، إختفى البذل والتضحية، تلاشى الترحيب وحسن الإستقبال ومظاهر الكرم، مهدت لها طرق منتكسة وحكمتها الأكاذيب المتلونة، لم تعد حوافز القلب والعاطفة أمر مهم ولا يرغب أحد في الحديث عنها.
هكذا تبدل الحال وغاب القلب، رحلت الشهامة والكبرياء ولهفة الأخ على أخيه الإنسان. الحقيقة هي أن ليس في إستطاعتنا تغيير الأحوال وأصبحنا نعيشها مكرهين، لا نستطيع تغيير المجتمع بكامله فقد عم المرض وإستشرى. لن أقول بإننا إنهزمنا ولكن يجب أن نظل متأملين في بشر وأتمنى أن يكونوا كثر، هم أصحاب “ المحجة البيضاء “ ، فيهم ولهم نصيب وافر من القيم الإنسانية والمكرمات والشمائل الشريفة.
علينا أن نضمن حياتنا ضد مفسدي الأخلاق بكل طرقها، الذين تمادوا في خصومة الإنسانية وخاضوا في وحل التجرد من الشيم الحميدة.
ضمان العيش الكريم في المجتمع الراقي يكون في أصحاب قلوب صالحة نقية تشعر وتتألم وتفرح مع من حولها في أجواء صافية، لا تعكرها ما جره علينا مؤسسو الشبكات والبرمجيات، ولتكن قلوبنا في مواقعها الحقيقية التي إختارها الخالق سبحانه كمقر لأشرف الخصال.
دمتم مجتمعي بقلوب نقية وعقول راشدة ونفوس مطمئنة.