مواضيع منوعة
الرئيسية / مقالات / شواهد تحت القبة البيضاء

شواهد تحت القبة البيضاء

ردود الأفعال الغاضبة التي صنعتها حادثة مقتل جورج فلويد الوحشية في صورتها لم تكن عادية، لقد سبقتها أحداث مماثلة من تصرفات بعض رجال الشرطة في أمريكا تجاه الأمريكيين من أصول افريقيه أو لاتينية ولكنها لم ترقى إلى ما وصلت إليه بعد مقتل فلويد.

كل الجماهير المتظاهرة والإعلام الأمريكي أجمعت على عنوان رئيسي هو العنصرية وإنعدام العدالة، والمتتبع للشأن الأمريكي يعلم أن معظم القضايا السابقة الموصومة بالعنصرية قد تم تجاوزها من خلال أحكام برأت رجال شرطة وتم تسوية القضايا مالياً، على سبيل المثال في عام ٢٠١٤م حصلت عائلة إيرك غارنر وعائلة تامير رايس وهم من أصول افريقية والذين تسبب رجال شرطة في نيويورك وأوهايو في وفاتهم على مبالغ تسوية بلغت ستة ملايين دولار لكل عائلة. نعم كان هناك استياء ومظاهرات محدودة ولكنها لم تكن بمثل ما يحدث اليوم في مدن امريكا والتي إمتدت إلى مدن في بريطانيا، فرنسا، كندا، واستراليا.

في هذه المرة خاطر المتظاهرون بظهورهم الكبير بلا تباعد يفرقهم ولا كمامة تكتم أصواتهم، أحد الأسباب ربما ما أفرزته الرحلات الإنتخابية خلال العام الماضي لمرشح الرئاسة الأمريكية المنسحب ( بيرني ساندرز ) وهو ديموقراطي إشتراكي حتى النخاع، تأثر الجيل الشاب بأفكاره وتعلم من خطاباته شيئاً من مساواة الاشتراكية المزعومة مقابل سراديب الرأسمالية الملتوية، أعتقد أن هذه هي النبتة التي أثمرت ما نراه اليوم، الإرتباط الملفت هو العدد الكبير من الشبان والشابات البيض الذين كانوا في تجمعات ( ساندرز  ) هم الآن يتقدمون التظاهرات ويواكبون ويؤيدون الأمريكيين من أصول افريقيه بقوة وبمؤازرة غير مسبوقة بسبب تقاطع المصالح بينهم حتى أن رجال الشرطة البيض فقدوا صوابهم عند تعاملهم معهم. 

كل هؤلاء إضافة إلى الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية واللاتينية وحتى الصينية ، اتفقوا بداخلهم على نهج واحد يتجاوز العنصرية والعدالة بدون قيادة معروفة، كلهم جمعتهم ظروف التعطل وحياة صعبة في سنوات عمرهم الذهبية، أصر السياسيون أن يظلوا بعيدين عنهم مشغولين في نزاعات حزبية لم تنعكس على حلول لمشاكل المجتمع الأمريكي، إضافة إلى ذلك فإن تقنية وأفكار  مايكروسوفت وأبل والنظام التقني قد أفقدتهم وظائفهم، وأصبح المؤهل معدوماً وإن وجد فلا أمل، ثم جاءت أزمة كورونا وزادت الطين بلة.

كانت حادثة جورج فلويد فرصة مواتية للخروج وللتعبير عن السخط العام من عدة أمور، ولتبرير ذلك بدأ القادة السياسيون بإلقاء اللوم على أسباب لم يثبت صدقها، منها أن الحادثة استخدمت واستغلت من قبل منظمات مدنية خفية، وهناك قصص عن تداخلات مصالح الدب الروسي والتنين الصيني ليتم إسقاط معاقل الفيل والحمار المنيعة بحجار العنصرية ويهوي النسر الأصلع بنبال العدالة. 

في اعتقادي أن عبارة ” حياة السود مهمة ” التي كتبت بالدهان على الشارع المقابل للبيت الأبيض لن تمر مرور الكرام على سماحة الشيوخ وسعادة النواب الذين يتمرتسون تحت قبة الكونغرس سواء ديموقرطيين أم جمهوريين، هم يرونها الآن أنها  “ فشت خلق “ وقد سمح بها تحت بند الديموقراطية، لكنها ستبقى محفورة في أذهان “ أبناء الآباء المؤسسين “  سواء انتخب ترامب أم بايدن وحتى لو عين أحدهم رجلاً من أصول افريقيه نائباً له، في ابتساماتهم الصفراء سيعود الفيل والحمار قوياً وسيبقى النسر مسيطراً على الأجواء.

إن المسألة ليست بالكامل عنصرية أو غياب عدالة وإنما تأثير اقتصادي واجتماعي حدا بشريحة من الشعب أن تتظاهر ثم تتمرد وتسلب،  وبقيت الشريحة الكبرى “ أصحاب الكنبة “ هم المؤثرون وسيقولون كلمتهم في نوفمبر القادم لصالح ( ترامب )، وعندها لكل حادث حديث.

عن عثمان بن أحمد الشمراني

كاتب ومدون, يبحر في سماء الأنترنت للبحث عن الحكمة والمتعة.

شاهد أيضاً

لماذا الحرب ؟

السؤال الذي نطرحه هذه الأيام لماذا الحرب؟ ولماذا القتل ؟ .. ساقتني الصدفة الى ملاحظة …