مواضيع منوعة
الرئيسية / مقالات / هل أنت متسلل؟

هل أنت متسلل؟

في نظري أن هناك فرقاً لغوياً بين البعد والتباعد وهذا ما أفرزته أزمة كورونا في تغيير المفاهيم العامة أو بالأحرى الدارجة، البعد هو بعد القلب والمحبة لمسافات وهمية، والتباعد هو بعد الأجساد عن بعضها لتفادي شبهة الالتصاق أو الاقتراب حيث إن نتيجته تؤدي إلى حدث مكروه، ورغم ذلك فعامة الناس لا يفرقون بين المعنى اللغوي ويرون أن أصل الكلمة وأحرفها هي نفسها : الباء والعين والدال، فأم كلثوم رحمها الله كانت تقول : (بعيد عنك حياتي عذاب) وهي تنشد القرب، أما طلال مداح فكان يقول : (ابتعد عني .. ما أحبك) وهو يطلب البعد، بينما محمد عبده حفظه الله فكان وسطياً فقال: ابعاد كنتم ولا قريبين .. المراد أنكم دايم سالمين، كل قال ذلك في الحب، وفي الحب لا مكان للكمامة والتباعد نقص في المحبة.

وفي ظل هذه الجائحة وحتى يكتب الله دواءً أو لقاحاً يكون السبب بعد مشئية الله في الشفاء، فإن التباعد مطلوب من كل عاقل درءاً للعدوى والتزاما بالتعليمات، هذا الالتزام أو خلافه كان قد حدث في حادثة ظريفة قبل أسبوع في ألمانيا، حاول راكب دراجة هوائية تجاوز زوجاً من الأحصنة المارة على الطريق، وابتعد بمسافة 40 سنتيمترا عنها. بيد أن ذلك لم يعجب أحد الحصانين الذي قرر رفسه عقوبة له على تجاوزه له، ما أدى إلى إصابة سائق الدراجة بكدمات وإصابات في يده. المحكمة التي كانت تنظر في القضية قالت إن سائق الدراجة مسؤول بشكل جزئي عن الحادثة بالرغم من تعرضه للرفس، وأضافت : يجب على راكبي الدراجات الحفاظ على مسافة أمان لا تقل عن متر ونصف إلى مترين عند تجاوز الخيول .

هذه الحادثة نقلتها لكي تفصل المفهوم وهي أقرب إلى البعد من التباعد، ذلك لا يمنع من وضعها في سياق الحديث لمعنى التباعد، ونعلم جميعاً بأننا كنا نشتكي من التدافع وهو أمر غير مرغوب فيه، فهل يكون التباعد هو الحل لمشكلة التدافع التي تعودنا عليها، ربما أن الرفس ليس من طبع الإنسان لكي يفرض التباعد في الأماكن العامة، لكن الحرص واجب بالتنبيه كما أن تطبيق (تباعد) مفيد وقد يكون البديل في حدود المعقول ولأصحاب الذوق الرفيع، نأمل أن يصل مستوى الوعي الى ما يتمناه كل فرد قويم في هذا البلد خاصة أن أمامنا أياماً نحتاج فيها لمزيد من الإنضباط خاصة مع بدء الدراسة وإستئناف الأنشطة الرياضية والترفيهية.

لذا عليكم أيها الناس ولسلامتكم بالتباعد ولا نريد الأمور أن تصل إلى أن كل فرد منا يحمل في عنقه صفارة أو زمارة للتنبيه وقد تتطور الأمور إلى تطبيق نظام (الفار) لكشف حالات التسلل مثلما المعمول به في ملاعب الكرة. دمتم سالمين.

عن عثمان بن أحمد الشمراني

كاتب ومدون, يبحر في سماء الأنترنت للبحث عن الحكمة والمتعة.

شاهد أيضاً

لماذا الحرب ؟

السؤال الذي نطرحه هذه الأيام لماذا الحرب؟ ولماذا القتل ؟ .. ساقتني الصدفة الى ملاحظة …