مواضيع منوعة
الرئيسية / مقالات / ما لقيت باميه حساوي !

ما لقيت باميه حساوي !

بعد فترة الحظر غادرت اليوم بيتي ومغارتي متحزماً  بكل أسلحة التصدي والحماية من قفازات وكمامة وسترة وقبعة تستر أطرافي متوجهاً الى سوق الخضار، في طريقي كنت أدعو بالسلامة وأن يكفيني الله من كل من فيه شر،  كانت الساعة العاشرة صباحاً وهو موعد وصول حافلات الفواكه والخضار الى مركز سوق الفيحاء في مدينة الجبيل الصناعية، كنت أنوي الذهاب يوم الأحد القادم بحكم أن دوام الموظفين سيبدأ ولن يكون هناك زحام مثلما اليوم، بسبب نفاذ مواد “السلطة” التي أفضلها قررت التسوق “على خفيف“، كان السوق متوسط الازدحام ربما أن سهار الليل لم يفيقوا بعد.

توجهت إلى المحل المفضل لي دوماً، كان عدد “ الصبيان “ فيه أكثر من عدد “ الزبائن “ المتنامي في مساحة لا تتجاوز ٣٠ متراً مربعاً، في ذلك المكان تناسب “ الصبيان “ و “الزبائن “ في العدد إلى المنتصف لمن لا يلبسون الكمامة أو حتى القفازات، ترى تلامس الفواكه والخضروات بالأيدي للإقناع من “ الصبيان” والتذوق والشم من “ الزبائن “، أما التباعد لضيق المكان فهو بالظهر المعاكس والكتف النصفي مع نظرة إلى الأرض من معدومي الكمامة، أحد “ الصبيان “ يقف على باب المحل كبرج مراقبة لرصد وتنبيه “ الصبيان “ من غارات مراقبي الهيئة الملكية ليتحولوا إلى لبس الأكياس في الأيدي ولف وشاح أو حتى قطعة خس على أفواههم.

ربما هذا الحال لكل من ذهب إلى سوق الخضار هذا اليوم، بعد أن أنهيت حاجاتي وعند خروجي لمحت “ هورية “ (باميه حساوي) فسألت “ الصبي “ أن يضع لي وزن كيلو منها فاعتذر وقال إن “الهورية“ محجوزة، ولعلم القارئ فإن الباميه الحساوي مشهورة في المنطقة الشرقية وهي ذات لون أخضر فاتح ولها ذائقة لذيذة، موسمها الصيف ويصل سعر الكيلو إلى حوالي ٤٠ ريالاً و  “الهورية” تصل قيمتها إلى ٤٠٠ ريال.

المشاهدة الغريبة عندما لمحت أن هناك خمسة “هوريات” قد بيعت لشخص واحد وأن “الهورية” التي رأيتها لم تسعها أكياس المحل ليصل مجموع ما اشتراه هذا المخلوق وحرمه المصون التي كانت ترافقه إلى ستة  “هوريات باميه حساوي”، هذا “ الشخص الباميائي “ لم يلحظني بسبب تغطيتي وتغطيته أفواهنا بالكمامات، هو  شخص أعرفه معرفة سطحية منذ سنين، اجتمعنا فيما سبق في إطار العمل قبل تقاعدي، أعرفه مهندساً متعلماً مسؤولاً،  كما بدأ لي من أحاديثه القديمة السابقة أن له آراء انفتاحية ودائماً ما يلمز وينتقد تصرفات اجتماعية يرى أنها متخلفة.

لقد صدمت من تصرف هذا الشخص بسبب الأنانية المفرطة والتسلط المالي والتفرد المعوي لسلعة قد ينتظرها الآخرون ليتذوقوها في موسمها، يريد الاستحواذ عليها وأن لا يأكلها غيره وأكاد أجزم بأن نصفها سيذهب لاحقاً في البراميل، لقد كانت القيم والانتقادات التي يسوقها في حضرة الناس زائفة وأقواله ليست كأفعاله، العلم والمنصب يعطي الإنسان السليم صورة مشرقة للتفاني وحب المشاركة فما من صاحب علم لا يعرف إلا علمه ولم يهذب نفسه في خدمة الإنسانية فليس بعالم، من كان المنصب يجعله يرى الآخرين صغاراً فإن الدنيا تدور، ومن ظن أن المال سيهبه كل شيء ليحرم الناس من سلعة محبوبة فهو المسرف الحسود وهو الخسران في خلقه ودينه.

قال الله عز وجل : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) الأعراف/31

عن عثمان بن أحمد الشمراني

كاتب ومدون, يبحر في سماء الأنترنت للبحث عن الحكمة والمتعة.

شاهد أيضاً

لماذا الحرب ؟

السؤال الذي نطرحه هذه الأيام لماذا الحرب؟ ولماذا القتل ؟ .. ساقتني الصدفة الى ملاحظة …