إتجاهاتي السياسية و الوطنية اليوم حددت مكان تناول الغداء مع عائلتي و اخترت مطعماً صينياً في مدينتي الجبيل الصناعية على ضفة الخليج ” العربي ” .. الصينيون من القلائل في العالم الذين لا تعرف رأيهم و توجهاتهم بسهولة سواء شفهياً أو جسدياً .. لغة الكلام مقتضبة و مشدودة التعابير بحيث لا تستطيع أن تميز هل هو فرح أم حزن .. لغة الجسد معدومة.. إحساس عيونهم لا تراها و لا تراك .. لغة الإستشعار هي السائدة في ثقافتهم .. لذا فضلت الغداء الصيني من ناحية حيادية .. فردود الفعل العربي الباهت على دعم موقف بلادي العادل هذه الأيام لا تعطيني الفسحة في قلبي أن أتعامل مع المطاعم العربية و أنا أعلم موقفهم المتلون.
العامل الآخر في الإختيار هو أنه أكل بحري طازج .. فالسمك من البحر و طريقة صيده متطابقة مع حقوق الحيوان و الإنسان .. و السمك لا يدخل طول عمره حضيرة و لا قفص و لا يُذبح بسكين و يُتمتع بسفك دمائه .. بل هي سنارة أتاها قطيع السمك راضياً مرضياً .. هو من البحر و حتى عند وضعه على سفرة الأكل مطبوخاً يظل مبتسماً ..
دخلنا الجو الصيني و طلبنا قائمة الطعام .. فاجأني خادم المطعم الصيني بسؤاله لماذا تلبس معطفاً إنكليزياً و قبعة فرنسية ؟ .. تلكأت في الإجابة و شعرت بأني قد حسبت إتجاهاتي السياسية في داخلي و لكني لم أعكسها على مظهري الخارجي من الناحية الوطنية .. فقلت له بنبرة فخورة مصطنعة مستخدماً أسلوب النفاق الغربي : أننا كلنا بشر .. و العولمة لها تأثير !! ..
أرخيت رأسي بعدها و وضعت قبعتي الفرنسية في خباء معطفي الإنكليزي تستراً.. و تناولنا سمكاً أُصطيد من عمق مياة الخليج ” العربي ” من طبخ الشيف الصيني .. و بعد تناول ما لذ و طاب من صحون المطبخ الصيني قدمت على دفع فاتورة حسابي الباهضة ريالات إكراماً الى خادم الطاولة الفليبيني .. و عند خروجنا فتح لنا باب الخروج مشرف المطعم اللبناني الجنسية و بلكنة ناعمة قال لي : يسلموا .. كل يوم تعال ! .. و رددت عليه فوراً كعادتنا : إن شاء الله .. و فعلاً سأعود لأننا بطبعنا ننسى أو نتناسى لأجل لقمة عيش قد يغنينا أكلها في بيتنا العامر عن من يقدموا لنا طعاماً قد يكون مخلوطاً ببعض الإتجاهات السياسية ..
إتجهنا بعدها للمشي على ضفاف الخليج ” العربي ” .. و على سياجه وقفت و قلت : عذراً أيها السمك ! .. و لمحت طيراً حراً يطير فوق المياة المتلألئة بضوء الشمس و كأني به يقول : السياسية لا حدود و لا قيم فيها .. السياسة كما الشعر يتبعها الغاوون .. فتوقعت أنه قادم من الصين و للصين حِكَم.