تعكس القرى التراثية القديمة في منطقة الباحة حياة الإنسان في الماضي ممثلة في الأهالي القدامى رحمهم الله، تشهد عنها كيف كانت سبل حياتهم الاجتماعية مثل البناء المتعدد الأغراض من بيوت وقلاع وحصون وواد ذي زرع ورعي، يكفل كسب العيش الحلال المعتمد على القوة والتلاحم الأسري الذي يجمع الجميع تحت كفاءة الاكتفاء الذاتي.
إن هذا التراث يبرز إرثا تاريخيا وكنزا ثمينا لا يقارن بثمن لتراه الأجيال المتعاقبة كمخزون ثقافي يحفظ الذاكرة وينمي الشعور بترابط وثيق بين الأجداد والأحفاد، وعليه يجدر بنا أن نلحق الوقت في ظل دعم الدولة لهذا التوجه الحضاري، وخاصة في وجود من بقي من كبار السن الذين عاصروا ويعرفون الكثير عن تاريخ المواقع والقصص المرتبطة بتلك الأماكن، وكذلك من لهم موروث عيني وسماعي ومكتوب تناقلوه من آبائهم وعن أجدادهم رحمهم الله للاستعانة به في حفظ سرديات ذلك التراث.
دائما ما يؤكد أمير منطقة الباحة الأمير حسام بن سعود -حفظه الله- على تميز الباحة وقراها بتاريخها وهويتها المرتبطة بالإنسان والأرض، ويوجه بشكل مستمر أمانة المنطقة على الاهتمام بمستوى القرى والمواقع التراثية لتكون من معالم منطقة الباحة شاهدة على عاداتها وتقاليدها الحية الأصيلة. ونتيجة هذه المتابعة فقد أدرجت هيئة التراث الوطنية في سجلها الوطني أكثر من ٧٢ قرية تراثية في منطقة الباحة تم تصنيفها بلوحات معتمدة على الترميز الباركودي، وهذا جهد جبار تشكر عليه الأمارة وتعاون فعال لأهالي تلك القرى التراثية على تفاعلهم ومساندهم لهذا الإبراز التراثي الذي يخدم المملكة في مجال تطوير السياحة الوطنية.
دعاني إلى التفاعل والكتابة عن هذا الموضوع الشيق هو مبادرة أخي عبد الله بن أحمد العثمان والأخ محمد بن علي بن رديف حفظهم الله وبالتنسيق مع الجهات المعنية في حملة المحافظة على المنظر العام لبيوت الدار في سنان في بلاد حوالة، لما تحتويه من عراقة الماضي ورونق الحاضر، وهذا جهد مبدئي من باب المسؤولية الاجتماعية وخطوة يبنى عليها للخطوات الرسمية التالية لبقية المواقع التراثية كضرورة يدعمها تعاون أهالي بلاد حوالة كافة على نشر الوعي للمحافظة على هذا الإرث الثقافي والاجتماعي لتكون قرى حوالة ضمن القرى التراثية المسجلة في هيئة التراث الوطني بدعم من أمارة وأمانة منطقة الباحة.
في قريتي وفي بلاد حوالة العتيدة وفي أهلها الكرام إرث جميل من العمارة القديمة من بيوت وحصون وقلاع هي أهم منتج مادي للتراث، في أطلالها القديمة شجون وذكريات ونسائم الأجداد والآباء والجدات والأمهات والإخوة والأخوات تحكي تفاصيل حياتهم رحمهم الله جميعا… إنها شاهدة على تاريخ عريق سيبقى ما دمنا سنحافظ عليه ولا نفقده بهجران تلك الدور والأسبال والمجالس والحارات التي نستذكر فيها حياة الأولين.
إني على ثقة في أهالي بلاد حوالة لدعم ذلك الجهد وهذه المبادرة الوطنية من خلال خطوات حاسمة وسريعة لإنقاذ ما تبقى، ولدعم خطوات التقدم إلى الجهات الحكومية المختصة لإعادة تنميتها وتطويرها حسب القوانين الشرعية والقانونية لتكون بلاد حوالة ضمن القرى التراثية، وأن نعمل كأهالي على تذليل كل الصعاب… لا بد من قرار لأولي العزم والهمة في بلاد حوالة والمهتمين لهذا الشأن من الأهالي المتطوعين ورجال أعمال ومقتدرين لاتخاذ إعادة الحياة للمواقع التراثية في بلاد حوالة من خلال العمل على موافقة الأهالي وورثة هذه الدور والبيوت القديمة وقانونية حقوقهم في الملكية وفي الانتفاع بقريتهم وبلادهم بطريقة حضارية راقية وحماسية لا حسد فيها ولا منة… علينا أن لا نترك إرثنا التاريخي التراثي وننساه ثم نندم على فقدان قطار التطور الذي حظيت به باقي البلاد والقرى في المنطقة… علينا أن نساعد على كتابة تاريخنا ونحظى بجذب سياحي لائق لأهالي حوالة ومجتمعها العريق ومملكتنا الفتية.
حفظ الله الجميع وهداهم إلى طرق الخير والنجاح والرفعة.