مدونة عثمان بن أحمد الشمراني كاتب ومدون, يبحر في سماء الأنترنت للبحث عن الحكمة والمتعة
رحمك الله أبا وائل
كتبه : سعد الله بن عزيز آل عثمان الحوالي :
( كل نفس ذائقة الموت ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ).
اللهم لك الحمد ولك الشكر ولك الثناء على ما أخذت وعلى ما أعطيت فنحن عبادك أبناء عبيدك مصيرنا جميعاً بين يديك، أنت ربنا ورب كل شيء وأنت مطول الأعمار وأنت مقصرها وكل شيء عندك بأجل مسمى سبحانك وتعاليت وبعد :-
شاءت قدرة الله – سبحانه وتعالى- أن ينتقل الصديق الحبيب والرجل الوفي الشيخ / علي بن غيثان بن صالح الحوالي من دار الفناء إلى دار البقاء في يوم الخميس ٢٨ شوال ١٤٤٤هـ، على أثر معاناة مع المرض و انتقل إلى جوار ربه الأعلى في مدينة الرياض حيث قضى معظم سنوات حياته فيها بين لفيف من الأهل والأقارب والأصدقاء، مودعاً الجميع إلى رب كريم.
كان الشيخ الوقور أبو وائل- غفر الله له – من خيرة الرجال الأخيار والحافظين لحدود الله والمتبعين لدينه الحنيف، كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويرشد وينصح ويوجه من يعرف ومن لا يعرف إلى طريق الاستقامة والصواب وينهى عن المنكر والمنكرات وعدم مصاحبة أهلها وينبذ العنف والكذب وأهله، كان صريحاً ويحب الصراحة ويحب الخير للصغير والكبير ممن يعرف ومن لم يعرف وكان يزور المريض ويمد بيد الخير إلى كل من يستحق ويحتاج بلطف وخفاء دون منه ولا رياء، عرفته وعرفه الجميع صائماً مصلياً ولا نزكي نفوسنا ولا أحداً على الله ولكننا من شهود الله في أرضه ونشهد له بالخير.
كان أبا وائل – رحمه اللله – في بداية حياته من الرجال الأذكياء سريعي البديهة، حاد السمع وحديد البصر ، يتصرف بشكل سريع في كل أموره بكل دقة وإتقان منجزاً لكل أموره وأمور غيره، لا يحتاج إلى من يحثه أو ينبهه أو حتى يتابع معه إذا استوصاه في شيء ما.
وكان أبا وائل من أوائل البارين بوالديه ومبراً بجميع أهله وإخوانه الذكور والإناث وبجميع أسرته الكريمة وكافة ذويه وليس فقط بل كان لطيفاً ولبقاً وصادقاً ومتعاوناً مع كافة قبيلته وكافة أصدقائه ومعارفه، وهذا ما عرفناه عنه عن قرب وسمعناه عنه عن بعد، وكان تصرفه هذا طبيعة لا تطبع – رحمك الله – أبا وائل.
لو تكلمنا عنه من الناحية الثقافية فبدون مبالغة كان رجلاً مثقفاً وواسع المعرفة وسريع البديهة إذا نكس رأس قلمه على القرطاس لا يكاد الورق يمل من عذوبة أسلوبه وطيب وحسن كلماته المعسولة التي يسطرها عليه من حسن انتقائه للمواضيع التي يكتبها من أحلا وأعذب وأرق وأصدق الكلمات وأروع العبارات وجميعها تشرح كلماته ولا تجرح تهدف ولا تتوه تحل ولا تعقد تفرح ولا تزعل تفيد ولا تضر تهدف إلى الخير وتنبذ الشر أضف إلى ذلك الخط المنسق والمرتب وروعة منظره ووضوحه مما ييسر ويسهل على قرائه تدبره وفهم معانيه دون عناء ولا صعوبة ، رحمك الله يا أبا وائل.
ولو تطرقنا إلى الناحية الصحية منذ بداية حياته نجد أبا وائل أنه كان صحيح العقل والبدن كمثله من البشر وقد يتعرض إلى بعض الوعكات العادية مثل ما يتعرض سائر البشر إليه ولكنه لا يستسلم لها بل كان يتعايش مع الحالة ومن ثم يعود إلى ممارسة حياته العادية من جديد كالعادة دون كلل ولا ملل إلا أزمة واحدة أراد الله أن تكون مصاحبة له طيلة ما تبقى من حياته بدأت معه من سن الخمسين تقريباً وتدرجت معه إلى أعلى شدتها حيث استمرت معه إلى آخر لحظة من لحظات حياته وكان راضياَ عنها كل الرضاء (آلا وهي حالة الصمم العصبي للأذنين الاثنتين) وكنت أتناقش معه من حين إلى آخر حول ما يشعر ويحس به تجاه هذه الحالة التي أبعدته عن الناس فكان – رحمه الله- يؤكد لي من وقت إلى آخر رضاءه التام عن ذلك ومن كثر حبي له وجراءاتي عليه سألته لماذا أنت راض عن وضع الصمم الذي أبعدك عن الناس؟ فكانت إجابته مدهشة ومقنعة لي ولكل عاقل ومدرك (قال لي : “ الحمد لله ابتعدت كثيرا عن كثر الكلام ومن القيل والقال والغيبة والنميمة وما يدور من هرج ومرج حولنا وحول العالم قاطبة الذي ما منه إلا وجع الرأس ومرض القلب وجلب الهموم والاحزان وعدم الرضاء وخاصة منه ما يغضب الله ويأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، وهذا ما جعلني أحمد الله وأرضى به ومما جعلني أصب جل اهتمامي على قراءة القرأن وكل ما هو نافع ومفيد من كتب الحديث والكتب الأخرى المفيدة وإضافة إلى ذلك أجد ولله الحمد يسراً كثيراً في تسهيل سير نمط حياتي بما يكفيني من تكييف نفسي مع اهلي وأصدقائي وسائر الناس وقضاء حاجاتي وهذا شيء عظيم اشكر ربي” ).
قبل أن أنهى رثاء المغفور له بإذن الله تعالى أود أن أذكر البعض من أهم الميزات الطيبة التي جعلتني أحب أبا وائل كثيراً وأضعه محل التقدير والاحترام – رحمه الله- ولست أنا فقط بل أنا وغيري وهي أنه كان على الرغم من صممه كان يتواصل معي ومع غيري بالهاتف من وقت إلى آخر على الرغم من عدم قدرته على سماع صوتي عندما أرد على اتصاله لكنه – رحمه الله – كان يشعر بسماعة الهاتف عندما افتحها ويقوم من جانبه بسرد كل ما يريد ويسمعني أعذب وأطايب الكلام ومن ثم يقوم بتوديعي دون أن يسمع ردي عليه وعندما أسأله عن سبب الاتصال وهو لا يسمع ردي يجيب قائلاً : ( إنني ارتاح عندما أهاتفك وأشعر أني أديت واجبا حيث أشعر أن الكتابة لا تغنيني عن الاتصال بك ) وهذا ما زاد حزني وألهب قلبي على فراق هذا الحبيب الوافي وأيضاً سيجعلني أترحم عليه ولن أنساه أبدا ما حييت وأدعو الله- سبحانه وتعالى بأن يجمعني به ووالديّ وبجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات في أعالي الفردوس الأعلى من الجنة، فإنه ولي ذلك والقادر عليه وصل الله وسلم على نبينا ونبي البشرية جمعاء محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه وسلم.
