مواضيع منوعة
الرئيسية / مقالات / كهف مصطنع

كهف مصطنع

في بعض الأحيان تود أن تخرج من عالمك وتعيش في غابة لا وحوش فيها، تنعم بنقاء الحياة والهدوء البعيد عن صخب ما حولك، وتهرب من عالم التقنيات المستقبلية التي لا يمكن أن تعودت لمجاراتها، أقصد هنا ابتكارات العلم الحديث التي ورطت الإنسان وآخرها فيما يعرف بالذكاء الاصطناعي.


أصبح المستقبل يستلهم خوفنا وفزعنا من شكل الحياة القادمة ليقنن تفاصيل اليوميات لعيشنا وتغلغله العميق في نفوسنا لنصبح أداة موجهة من غير عقولنا لسلاطين التقنية، تحكمها إمبراطوريات تتحكم في العالم من خلال برمجيات وخوارزميات ظاهرها سهولة المقاصد وباطنها شيطانية التمكين.


المبكي في هذه الحضارة الجديدة أنها تسلب الروحانيات من الإنسان وترميه في غياهب المجهول، وهي أيضا ذات وجه متمرد ومشوه رغم أنها طوعت العيش بشكل ميسر بفضل التطبيقات المتعددة، لكن في ثناياها تعمل على تحطيم استمرار وجوده كإنسان لإصلاح الأرض بكل ما هو نبيلا ومفيدا دون ضرر، كما أن شرورها انتشر بقوة ودون ميزان أخلاقي فتحكمت في ضوابط الأفراد ووجهت سلوكهم وسيطرت على توجهاتهم وصارت مصدر القلق في كل مجال حياتهم.


لقد صنعت إمبراطوريات التقنية معنى آخر للحياة في سبيل المال الذي هو فتنة الدنيا وهو خرابها، وأوهمت الإنسان البسيط باللذة وحب الشهرة فحولته إلى إنسان يغتال روحه الطيبة المعروفة إلى اشمئزاز علني، وحولت الإنسان صاحب الجاه إلى مستعرض في كل ما يملك وتجرد من هيبته في محيط بيته وأعلن عن نزعاته المكنونة إرضاء لغروره.


في بحر الوسائط الإلكترونية المتلاطم نفقد حياتنا المرتبطة بعقائدنا الأساسية في كل خطوة تخطوها تلك الإمبراطوريات، ونذهب إلى حالة البؤس التي تغذيها المتعة المصطنعة، ما لم نجعل عقولنا مفتوحة لا منغلقة، لا نحاول أن نعزل أنفسنا ونقع في أحضان هذه الأوهام وتلك العبودية لكل ما يصدر من فرمانات تلك الإمبراطوريات من خداع وأفخاخ وأهواء جامعة، يسرقون منا ديننا وإرادتنا ويأخذوننا إلى الدرك الأسفل على ما نؤمن به من معتقدات ومن أطر الإنسانية التي أوجدها الله فينا من فطرة وتعقل.

من قبل لقد ضاع منا الكثير من الوقت في هذه الحياة، ومع هذه التقنيات سيتسارع الزمن ونفقد أضعاف الكثير من الوقت في الحاضر والمستقبل وننسى جمال الحياة في الأشخاص المحيطين بنا من أسرة ومن أصدقاء ومن الحنين والتفاعل الإنساني، وعندها يصبح العالم أشبه ما يكون في كهف لا نعلم متى سيستفيق من سطوة وهيمنة كلاب الإمبراطورية الكاذبة.

عن عثمان بن أحمد الشمراني

كاتب ومدون, يبحر في سماء الأنترنت للبحث عن الحكمة والمتعة.

شاهد أيضاً

المدن .. ليست مدن نوم

في ضوء ما تشهده المملكة من تطور حضاري في مجال تخطيط المدن نسمع كثيرا بعنوان …