مواضيع منوعة
الرئيسية / مقالات / مساعد بن أحمد العثمان … قَـدَر مع مُحِب

مساعد بن أحمد العثمان … قَـدَر مع مُحِب

يوم الاربعاء الخامس من شهر محرم ١٤٠٩ هـ  ، كان يوماً حزيناً شهده المجتمع الحوالي في الرياض، فاجعة  لم يمر بها منذ  وفاة الفقيد صالح بن عبد الرحمن رحمه الله و غفر له عام  ١٤٠٢هـ .  كان  الخبر الحزين  وفاة  أحمد بن جمعان آل نزهه  المعروف بـ “ البخاري”  أحد أبرز و أكرم  وجوه و وجهاء المجتمع الحوالي ، توفي  في الخمسينات من عمره  و إبنه الأصغر “علي”  الأقل من عشر سنوات عمراً، و وفاة أخي و شقيقي مساعد بن أحمد العثمان حِب والديه و زين شباب مجتمعه و هو في الثامنة  و العشرين من عمره  ، في حادث مروري أليم على طريق الرياض – الطائف قرب مدينة القويعية ، رحمهم الله و غفر لهم جميعاً.

هذا الحادث الواحد و الإختلاف في الأعمار أسدل على كل شرائح المجتمع الحوالي حالة من الحزن و الذهول ، كانت مراسم الدفن مهيبة في القويعية في حضور عدد كبير من  رجال و شبان ديار حوالة  قدموا من مختلف مناطق المملكة للمشاركة و تقديم التعزية حَفِلتهم في ذلك طيبة استقبال  و كرم  أهالي القويعية.

في مثل هذه  الفواجع ترى ضعف الإنسان و تشهد دموعه و ترى قوة الإيمان الحقيقي و تتعلم منه.  شَهِدت أول لقاء بعد الدفن بين والديّ في  موقف مهيب ، الأب الجريح  في قلبه  و هو يعزي الأم التي تشكي من فقد روحها  ، الأب الشيخ الصبور  في  وقار تحتبسه الدموع و الأم الثكلى الحزينة  خاضعة  تسبح في دموعها  و تمسك في ثوب شريك حياتها  بتوسل و كأنها تقول : إرجع لي ولدي. رحمة الله عليهم و أسكنهم ربنا الغفور الرحيم فسيح جناته.

لم يكن الحزن أقل في بيت الفقيد أحمد بن جمعان رحمه الله  فقد فقدوا  أباً و راعياً و فقدوا إبناً و أخاً  في وقت كانت زهور الشباب تتفتح في حديقة عائلتهم السعيدة. كان المجتمع الحوالي على ثقة بالله ثم بتلك الأم المحافظة الشجاعة التي تملك من خصال التضحية وروح المسؤولية  الشي الكثير الذي يمكنها من  قيادة أسرتها بحكمة و بصيرة. كانت هذه الثقة في محلها و قد عُرِف عن هذه الأم الكريمة و الزوجة الصالحة أطال الله في عمرها و مدها بالصحة و العافية و منذ الستينات الميلادية عمل أكلة “ العيش “  الجنوبية الشعبية في منزله رحمه الله  كل صباح عيد  بعد الصلاة   مباشرة  يدعى اليها محبي أحمد بن جمعان و أولادهم ؤ أصبحت عادة إلتزمت بها الأم الكريمة طوال سنوات عديدة و توارث حضورها   الأبناء من بعد الأباء كعادة و تقليد أحبوه منذ صغرهم و مازات هذه الجمعة الطيبة مستمرة الى الآن .

*************************

كان أحمد بن جمعان  رحمه الله من أوائل من قدموا الى الرياض من ديار حوالة  و أسس مع نفر من المجتمع الحوالي أنذاك منهم الأباء و الكبار الأفاضل عبد الله بن سهيل و عبد الله بن مشهور و علي بن عبد الله  و صالح بن سعد و حمدان العاتي و مصلح و محمد بن جعري رحمه الله و غفر له، أسسوا ثاني بيت لجماعة حوالة  في حي المرقب بعد بيت حي المربع تحول بعضهم بعد فترة قصيرة الى بيت آخر في المرقب يعرف بالليمونة لوجود شجرة ليمون في وسط فناءه،  البعض عاد الى الجنوب بينما إختار آخرون منهم أحمد بن جمعان  الحياة العائلية و بناء أسرته قريباً من مقر عمله في وزارة الدفاع و قريباً ممن أحبهم و أحبوه في الرياض. كان دائما ما يأنس بلقبه “ البخاري “ و الذي إعتاد أقرباءه و أحبابه على تسميته به  و يعود ذلك لهيئته الرجولية و شدة بياضة و صفاء بشرته التي توازي روحه الطيبة.

لم أشعر حينها بأن للدموع قيمة فلم أُسقِطها !..  لأن الجرح و الألم في القلب أكبر و أعمق مما تظهره العيون ..   لفقدان أخ و شقيق كمساعد .. بدأنا قبلها  نحس بروح و رجولة الأخوة  في ريعان شبابنا و في زهو حياتنا … هذا كله  فقدته في لحظه. و رغم أن إفتراقنا الجبري لم يعطني الفرصة الكافية لأشبع من أخوته و لكني عرفته كروح و عرفته كحرف على الورق فلا فرق. كنا ننتظر السنين لنكبر و نلتقي ..  و لكني كبرت أنا  و لم نلتقي.

و في ظل هذا الحزن وقبلها  حزن مساعد نفسه  ، لا يعرف مساعد بن أحمد العثمان إلاّ أحبابه الذين تبادل معهم حياة الرياض و زيارات ديار حوالة،  فقد كانت تلك الفترة فترة تحول شباب المجتمع الحوالي الى الجامعات في الرياض بعد أن كانت موجة الستينات و  السبعينات الى الكليات العسكرية .  كانت  بداية الثمانينات  تحاكي الفترة السابقة لجيل من أجيال المجتمع الحوالي و لكن بمعطيات جديدة   متمثلة في إنضمام الشباب الى الجامعات و المعاهد و توفر السكن المفرد عن طريق سكن طلاب الجامعة أو شقق خارجية تكفي لعدد محدود. و بحسب إقامة مساعد مع والديه في الرياض فقد كان على صلات قوية  بشباب المجتمع الحوالي رغم وجود الشليلية التي يفرضها رتم الحياة في مدينة مثل الرياض.

كان مساعد رحمه الله يعظّم صلة الرحم و يقدر الصداقة و يعطيها حقها ، محباً للشعر و القصائد الشعبية ، تخرج من جامعة الملك سعود في تخصص التاريخ  عام ١٤٠٥هـ  و عين مدرساً  ، تذوق الشعر و كتب قصائد و له محاورات شعرية مكتوبة  مع أقرباءه و أحبابه ، عاش فترة  شهرة الدكتور غازي القصيبي رحمه الله  و تأثر بشعره و نثره. كان له من الأحباب الكثير منهم  الأخ الأديب الشاعر سعد الله بن عبد الرحمن و له معه العديد من السجالات الشعرية بالفصحى و شعر البدع و الرد، و الأخ الخلوق “صالح  عثمان” الذي في إعتقادي هو  خير من  يعرف مساعد بن أحمد جيداً و كان بينهم من الود الكثير  و الصداقة العميقة  خاصة في سنوات مساعد الأخيرة.

 *************************

 كان الأخوان  مسفر و مساعد  بن شايق  من أكثر المؤثرين في حياة مساعد بن أحمد  و تأقلمه مع عادات و تقاليد ديار حوالة بحكم أن ولادته كانت في الرياض ، فبالاضافة الى أنهم في مقام أخواله إلا أن حب الشعر و الأسلوب القصصي المميز في سردهم  و حبهم لروح المغامرة الرجولية المحسوبة تجعل منهم قدوة لمن يصاحبهم.

بين تلك الذكريات بحزنها و ألمها … يبقى بعض الورق الذي يستلهم الماضي .. بكاء رقيق  أحلى من بكاء الفراق حينها  .. لأنني موقن بأنهم عند رب عفو كريم .

من هذا الورق …  صور  من الجنادرية  ١٤٠٦ هـ  و من ديار حوالة  ….

 و هذه القصاصة :

البدع : مساعد بن عبد الله  الشايق:

وصايفك  شوقت  قلبي  و لك  وصف  هاني

قِيس  الحِكم  و  المعاني  قيسها  يا  امرؤ القيس

لا جل إن  قلبي  يحبك  يعلم  الله  و ليه لا

إبن  الحِكم  و  المعاني  الطيبه  و ابن خلدون

و لا  تطرف  بناك  أمثال  طرفه بن العبد

و لا تقل  باغزي  العربان  غازي  القصيبي

قلبي  يحبك  فلا  تغلط  عليهم  و  لا  أخطل

باساعدك  ياصحيبي  و انت  ساعد  مساعد

عساني  ألقا لي  أنا  من  الدواء  للنجا  شي

الرد : مساعد بن أحمد  العثمان :

يا خال  ذا  يبتدع  من  قولكم  وصف  هاني

يقول  هذا  من  أقوالي  و  هات  امرؤ القيس

ذا  يسمعه  قال  ذاق  المر  من  حب  ليلى

و هو الذي  في  عنان  العرش  و الناس  خل  دون

ما  خاف  من  رب  يخلقنا  و  طرفه  من  العبد

ودي  يكن  شاف  درسآً  له    لغاز لقصيبي

ما ودي  ارشده  لدروبه  بعنوة  و الاخ  طل

و ذا  يشوفه   معي  يقول  ساعد  مساعِد

يزعم  بنفسه  و  كنه  كسرى  ولا  نجاشي

عن عثمان بن أحمد الشمراني

كاتب ومدون, يبحر في سماء الأنترنت للبحث عن الحكمة والمتعة.

شاهد أيضاً

لماذا الحرب ؟

السؤال الذي نطرحه هذه الأيام لماذا الحرب؟ ولماذا القتل ؟ .. ساقتني الصدفة الى ملاحظة …