( باب المحكمة ) باب يدخل منه المتخاصمون في أمور كثيرة .. مدخاله ليس كمخراجه .. مهما تعددت أنواع صنع هذا الباب ومهما تغير من يقف على حراسته يظل باباً .. باب هو إنتصار عند البعض والبعض الآخر يرونه باب الهزيمة .. قد تدخل منه وأنت مغبون وتخرج مصدوم .. قد تدخل منه مجرماً وتظهر برئياً .. يدخل منه القاضي المتصالح وربما الظالم ويخرج منه المنكر حقاً فائزاً .. يدخل منه الزوجان مختلفين ويخرجون مطلقين أو متنافرين .. يدخل منه اللص والفاسد والمحامون بحق أو بغير حق ويخرجون كما هم .. باب له أكثر من مفتاح وأكثر من مصراع.
عندما تبدأ خطواتك الى ( باب المحكمة ) فلا تظن أنها خطوات معدودة .. كل خطوة قد تكون أيام وأغلب الظن أنها تصبح سنوات .. لا تفكر في الساعات ولا في أوقات النهار فقط فـ( باب المحكمة ) تجده حتى في منامك .. لا مفر من ( باب المحكمة ) فحتى أهل المفاسد يتمنون زيارته والدخول منه لأنه هو ملاذهم وهو من سيطيل الوقت والزمن لصالحهم .. ألحان المحامين جاهزة وضاربوا الدف مستعدون والرقص على أنغام البنود وعبارات القانون واردة .. تسمع داخل الباب مقولات إشتهرت بين المحامين : زئير الأسد لا يكفي لقتل الفريسة.
غالباً مايكون الشعور عند ( باب المحكمة ) متلازماً مع البراءة مهما كان الحق ملكك أو الباطل مقصدك .. لكن الأمر ليس بيد الشاعر ولا بقلب الملحن .. الأمر بقلم القانون والذي فصل لكل الناس .. الإنتصار أو الهزيمة ليست نتيجة الحق والباطل بل كيفية التفسير لمادة مبهمة أو بند أصم .. وهنا تقلب الموازين ويصبح المثقال مثل حبة القمح إبتلعتها رياح لا تعرف من أين هبت.
عند ( باب المحكمة ) يدخل الناس بالقانون وعند الخروج قد يفقدون الشرف وقد يكسبونه .. الفقدان حين لا تجد الإنصاف فتخذل في حق ضاع .. والمكسب حين تربح قوة القانون بقدر الصدق والأمانة .. وكلاهما يستخدمهما من له حق وهو على حق ومن له باطل ويزعم أن له حق .. وعند ( باب المحكمة ) تكون النظرات بين الفريقين مختلفة بين الدخول الهين والخروج الصعب.
يبدو أن ( باب المحكمة ) لم يعد له صدى ( باب الحكمة ) فقد أصبح مزرعة للخارجين عن القانون .. لم تعد القضايا سرقة دجاجة ( أشعب ) ولا حمار ( جحا ) .. ولا تصالح قاض وسط الأسواق يفصل في بضع دراهم .. القضايا أصبحت نصب كبير على حقوق الناس من أناس لا يعرفون الذمم والوفاء بالعهود، وفساد مستشري بعثر موجودات البلاد من أناس لا يعرفون النزاهة ولا الأمانة .. هؤلاء عقابهم ليس على مستوى سرقة الدجاجة والحمار بل أسرع تنفيذاً وأشد غلظة.
وإن بقي ( باب المحكمة ) يسمح لهم بالدخول والخروج مرات عديدة وفي حرية تامة ..سنقول ماقاله أبا العتاهية : إلى ديّان يوم الدين نمضي .. وعند الله تجتمع الخصوم.