غادرت الى منطقة الباحة منتصف هذا الأسبوع في زيارة إستمرت ثلاثة أيام .. كانت زيارة لمصلحة و لكسر حاجز السفر الى ديار حواله بعد ثلاثة عشر عاماً .. أبهرتني بلجرشي بتقدمها و جمال تنسيقها و أبهرني أكثر الطريق منها الى قريتي الوادعة “ حواله “ و ما على ضفتيه من محلات تجارية متنوعة و خدمات سياحية مقبولة الى حد ما .. كل قرية من القرى على طريق الجنوب لها ميزة .. قد تكون شاملة لمنتزه أو حديقة أو بيوت تراثية لأفراد أو مخطط سكني منظم أو سد مائي يكبح جماح الأودية و يفيد الأرض و العباد .. في قريتي لم أجد ميزة رغم أن التطور العمراني الفردي العشوائي ذو الألوان الزاهية و المتعددة الأدوار منتشر على مدى البصر .. و لكن على الأرض ترى ندرة في الجار المنصف و المبتسم و لا ترى طريقاً سالماً و لا بيئة صحية تراعى و لا لسيارتك تضمن موقفاً و أماناً .. و تسمع قصصاً عن ما في النفوس تدمي القلوب .. لا مبادرات إجتماعية مستدامة و لا مطالبات سياحية لتحسين الدار القديمة و الإهتمام بالصحة و البيئة .. و لكي أكون منصفاً فلم أجد غير ميزة واحدة هي ذلك الجبل الأصم “ أثرب “ .
خرجت من قريتي و أحسست بشعور قد أكون مخطئاً به بأني عدت حيث كنت لساعات في القرن العشرين و خرجت منها الى القرن الواحد و العشرين.
هدؤ القرية و هجرة الكثير في مثل هذا الوقت الى تهامه طمعاً في الدفء و الأكل اللذيذ كما يقولون .. جعلني أستمتع بالوقت بدون إرتباطات .. رافقت الأخ صالح بن سعيد آل حسن و الذي غمرني بصحبته من ساعات النهار الأولى الى ساعة الغروب متنقلين بين الدار القديمة و الجديدة و قرى بلشهم مستمتعين بلذة مندي الغداء و شاهي العصر في مبناه الذي شيده فوق ربوة مرتفعة في قرية الفريا يطل منه على معظم أرجاء المنطقة.
أما ما بعد الغروب فكان مخصصاً لأخي الحبيب الغالي سعد الله بن عزيز آل عثمان حيث غمرني بكرمه و حسن إستقباله و إستمتعت بساعات صفاء و ود تشاركنا فيها الأحاديث الودية .. كانت فرصة ثمينة أن يسمح لي بأن يخرج بعض ما لديه من إرث جميل مصور في حياته الطويلة المليئة بالصعاب و تكالب المرض بين الحين و الآخر الذي لم يثنيه عن مواصلة كفاحه و إخلاصه و إنضباطه في مختلف توجهات سيرته … وجدت موروثاً موثقاً لأزمان مضت سواء في حياته المهنية أو الإجتماعية، لم أستطع خلال الليلتين التي جمعتني به أن أحصل على كل شى رغم أنني أسهرته بإستتفساراتي حتى منتصف الليل. و لي عودة على صفحات هذه المدونة لما سمح لي أخي أبو عزيز بنشره.
كان مهندس التوقيت مع أخي أبو عزيز و بصحبتنا هو حفيده العزيز حازم بن صالح آل فرحه الذي كان رفيق المساء و هو نعم الشاب المثقف المتزن حيث كنا نمضي بدايات الصباح في جولات حرة مسائية على مناطق سياحية بين الباحة و بلجرشي تكون مبهرة بالإضاءة و تجعلك تسرح فيما وراء الأفق .. و رغم إرتباطه العملية المبكرة صباحاً إلا إنه لم يبخل علي بوقته و أكرمني بمذاقات قهوة “ بلجرشي “ و تناولنا وجبة “ فول خلوفة “ المشهورة كدمغة مخصوصة لزيارتي لأني أتوقع أن يسألني أحد عنه عند عودتي.
غادرت و كلي تقدير لمن أكرمني بحفاوته و طيب كرمه و أسال الله أن يجمعنا بمن يحبنا و نحبه في أقرب وقت و نحن جميعاً ننعم بوافر الصحة و العافية .. و ختاماً نسأل الله حسن الختام.