تبعاً للتواعد في ليلة لقاء و تكريم الأستاذ أحمد بن صالح بن هزاع حفظه الله بمناسبة زيارته للمنطقة الشرقية من قبل المجتمع الحوالي في الدمام قبل البارحة .. عدت الى الجبيل تلك الليلة بصحبة الإخوة فيصل الشائق و صالح بن سعيد آل حسن .. في الطريق تحدثنا عن التجهيز لمناسبة إلتقاء الإخوة في المنطقة الشرقية في الجبيل بحضور أبو يزن بحيث تكون مختلفة و تقليدية علماً بأننا لن نزيد كرماً عن أهلنا في الدمام فهم الأكرم حفظهم الله جميعاً .. لم نختلف كثيراً و وصلنا الى أن نقوم بعد المغرب بأعداد أكله شعبية جنوبية تسمى في الجنوب باللطف ـ تشديد مفتوح للام و تفتيح الحاء – و أن يكون العشاء من سمك الهامور العربي و سمك الصافي و الروبيان التي تشتهر به المنطقة .. عطفاً على ذلك ذكرت بأنه تماشياً مع الرؤية فيما يختص بالترفيه فسأقوم بعرض فيلم عن منطقة الباحة عرض في إحدى القنوات الفضائية قبل أيام كجزء من برنامج اللقاء ..
ساورني قلق بعد إتفاقنا بلحظات و نحن متجهون الى الجبيل و تذكرت المثل المصري “ سمك .. لبن ..تمر هندي “ و الذي يقصد منه أن يحاول الإنسان تحقيق الإنسجام بين ما لا ينسجم و التوفيق بين عناصر لا تتفق .. قارنت ذلك سجعاً “ عيش .. عريكة .. هامور عربي “ .. زادني ذلك قلقاً و أبديته للأخ صالح و الذي كما عهدته “ يفكر “ و “ يفكر “ ثم “ يقول “ .. رد بثقة بأن لا تقلق فهو كما ذكر سيعتمد بعد الله على معلوماته في الصحة الغذائية و التي إكتسبها من أحدى الدورات التخصصية على هامش عمله .. فالتوقيت لتناول الوجبتين مهم و ما يفصل بينهما من زمن أيضاً أهم .. كما أن برودة الجو تساعد على الشعور بالجوع في وقت أقصر بما هو في فترة الصيف .. و أضاف بأنه سوف يتابع الحضور بواسطة لغة الجسد التي قد تعبر عن عارض صحي نتيجة الأكل و عسر هضمه لا سمح الله و من ثم التعامل معها .. كذلك سيقوم بالتأكيد على مستوى الصحة العامة للحضور بعد إثني عشرة ساعة من مغادرتهم و من بعدها ترفع المساءلة القانونية خاصة بعد تناول وجبة الإفطار للحاضر في اليوم الثاني و هو في حالة صحية جيدة .. بدد ما قال مخاوفي و توكلنا على الله العزيز الحكيم.
صبيحة الأمس بدأت إستعدادي لإستقبال ربعي و بني قومي في منزلي و لم أعلن حالة من الطوارئ فهم قادمون الى بيتهم و منزلهم و هم الداعون و هم المدعون .. في نفس الوقت و نيابة عن أهالي المجتمع الحوالي في الجبيل توليت مهمتي في التجهيز لوجبة العشاء البحرية و مررت بعدها على سوق الفواكه و كالعادة لابد على سفرة الأكل من وجود الثلاثي الكوكباني البرتقال و الموز و التفاح و التي لابد من وجودها و نقص واحد منها قد يرفع الطلب عليها .. و بنصيحة مسبقة من الأخ أبو علي أن يتضمن سلة الفواكة فاكهة يحبها أهل الجنوب تردهم عن أكل الموز و الذي لم يثبت علمياً كما ذكر الإخصائي أنه لا ينسجم مع “ العيش “ أو “ السمك “ .. شدد على أن الإحتياط واجب و لا بد من فكرة و هي إضافة ثمرة التين أو ما يعرف بالحماط الى السلة كبديل عن الموز و أيضاً يفضل إضافة ثمرة اليوسف أفندي بديلاً عن البرتقال .. الى التنبيه أنه لا تقديم لحلويات و لا معمول و لا فستق و لا بندق تؤدي للشبعان قبل تناول ما قد تم تحضيره بعناية .. تمر و قهوة و شاي فقط .. هذا ما عملت به و قمت بتجهيزه لهذا الإجتماع المبارك.
قبل غروب الشمس توافد موكب أطباق “ العيش “ و “ العريكة “ على رؤوس و أكتاف شبابنا حفظهم الله يتقدمهم الأخ صالح حيث أنه منسق هذه الفقرة من السهرة و كل هذا من عمل أهالي رجالات حواله متعهن الله بالستر و الصحة و العافية .. معها توافد الجمع و الإستقبال و الترحيب و لم ألقى شخصياً عناءً إطلاقاً فقد كان شباب حوالة كراماً في خدمتهم و كل كان يتنافس لتقديم الواجب لمن هم أكبر منهم سناً و كانوا في قمة الأخلاق و الأدب .. حفظهم الله.
بعد أداء صلاة المغرب و قبل دعوة الحضور الى وجبة “ اللطف “ .. سألني الإخصائي أبو علي سؤالاً إستفسارياً عن ما إذا قدم لأحد شراب الشاي بدون سكر؟ فقلت له بأنه لم يطلب أحد شاي بدون سكر .. فقال : جميل هذا يعني أن الصحة العامة جيدة جداً و علينا متابعة الحالة بعد أكل “ اللطف “ ..
إنتقل الجميع الى المقلط و بدؤا في تناول أطباق “ العيش “ و “ العريكة “ بالسمن و العسل … و لا أخفيكم القول بأني وقتها و من لذة المذاق أسهبت في الأكل بلا شعور و هذا حال الحضور و جال في بالي أن ذلك قد يمنعنا من أكل وجبة السمك لاحقاً .. كان الأخ صالح دايم النظر الى ساعته ليضبط وقت الفاصل الى وقت وجبة السمك و التي قرر لها مسبقاً الساعة التاسعة مساءً .. بعد الإنتهاء من اللطف أصدر توجيهاته الصحية فيما يختص بالحمية بأن يكون شراب الشاي من بعد اللطف و حتى صدور توجيه بذلك منه بأن يكون خفيف السكر أسود اللون ثقيلاً لكي يساعد في عملية الأكسدة و التقليل من أي شوارب أخرى تأكيداً للحمية الصارمة بدون الشعور بها كما هو يراها كخبير ملم بالصحة الغذائية.
بعد صلاة العشاء تبودلت الأحاديث الودية و السير السابقة لأجيال و تعددت الموضوعات و الأعلام بإدارة الأخ العزيز “ أبو ثامر “ .. كانت موضوعات متعددة في زمن قصير من السهرة لم يتعد الساعتين أحس الجميع بالفائدة .. تخللها فواصل و استراحات قصيرة للمدخنين و للرد على مسائل الجوال و غيرهم ممن لمس حاجة .. يعود بعدها بدون ملل الى المجلس للمتابعة للإستفادة و الإفادة .. بعدها و عند الساعة التاسعة تماماً و حسب توقيت “ أبو علي “ و من جالسه .. تناول الجميع وجبة العشاء البحرية .. و – ما شاء الله – تمكنوا من السمك كما تمكنوا من العيش و العريكة و كان الإخصائي يتابع تطوارات و إنضباطية الأوضاع و كانت على حسب ما رسم لها رعاه الله .. و قد حرص حرسه الله أن لا يلتقط صور أثناء وجبة السمك لسر مهني يحتفظ به و فضلت عدم مفاصلته في السبب فلكل مهنة و موهبة أسرارها.
بعدها كانت للحضور جولة حرة في فناء المنزل الصغير لإراحة المعدة و الجسم و المساعدة علي الهضم السليم .. تلاها فقرة “ الترفية “ بالدخول الى غرفة عرض الفيلم و الإستمتاع بالمشاهدة و من ثم جلسة شعرية شعبية كان مما تمكنت من تصويره قصيدة الأخ صالح آل حسن في إخوانه الكرام و المرفقة مع هذا الكتابة ..
عند الساعة الحادية عشر مساءً إنفض الجمع على خير و بركة .. منهم الى الدمام و منهم لسبب عمله اليوم التالي خاصة أن المناسبة كانت في مساء يوم من أيام العمل .. تناوب الجميع في الخروج و وقفت عند باب منزلي أودعهم و إنتظرت حتى ركبوا جميعاً و تحركت سياراتهم إلا واحدة و لم أنتظر طويلاً و أقفلت باب منزلي .. عدت حيث كان الحضور الى المجلس الخارجي لإطفاء أنواره و إقفاله و إذا بي ألاحظ أن دورة المياة ـ أكرمكم الله ـ كانت مشغولة .. عدت الى قلقي القديم أن أحداً تأخر و قد يعاني من إمساك أو ألم في بطنه نتيجة الوجبات .. ما هي إلا لحظات و أحد الأخوة الحضور و هو خارجاً مستبشر الوجه و بادرني بإبتسامة راضية و بإشارة متكررة من الأعلى الى الأسفل بيديه من فوق ثوبه و على بطنه و هو يقول : “ الحمد لله .. كثر الله خير الجميع “ .. عندها علمت أن تجربة الإخصائي أبو علي قد فعلت فعلها و لكن ليس بهذه السرعة .. ربما تكون نادرة .. إبتسمت له و قلت له : “ عافاك الله .. ربعك في إنتظارك .. سفراً سعيداً بدون حاجة للتوقف ”.
إنقضت اليوم عند الساعة الحادية عشر صباحاً المهلة التي أدلى بها أبو علي و لم أتلقى إتصالاً منه أو رسائل قد تفيد بشئ لا يسر .. حمدت الله و أيقنت أن المثل المصري لم ينطبق على المثل السعودي و إنما سجعاً فقط و ليس واقعاً ملموساً أو حتى علمياً ..
الحمد لله على نعمه و الشكر له مهما كان الزاد قليلاً أم كثيراً .. فبالقليل تطيب النفس و يصلح الجسد و بحصول الكثير لا بد من التوازن و عدم الإسراف في الأمور .. الأكل بمنطق الفقير فبه يقل ألم بيت الداء و تفكر الأذهان لا البطون و تلتئم النفوس .. البساطة لا التكلف هو من يجمعنا .. و الفقر يجمع و الغنى يفرق .. و دمتم سالمين.
الصور التالية من هذه المناسبة .. الشكر موصول للحضور ..