مواضيع منوعة
الرئيسية / مقالات / كراماً عرفتهم : الفقيد الأستاذ : علي صالح الجمعان

كراماً عرفتهم : الفقيد الأستاذ : علي صالح الجمعان

دائماً ما تعود ذاكرتي الى هذا الرجل الشهم الأستاذ “ علي صالح الجمعان “ تغمده الله بواسع رحمته .. أعود بها من خلال ما أملك من ذاكرة و ما تحملها الأيام من مقتنيات له .. هذه المرة كانت من إبنه الفاضل صالح بن علي الجمعان وفقه الله و الذي أكرمني بإرسال الصور المرفقة و التي عملت على إخراجها لتواكب مناقب و نشاطات الفقيد رحمه الله و غفر له ..

رحلة “ أبو عادل “ في حياته كانت مشرفة و مشرقة بكل جمال ذلك الزمن .. فمنذ إرتحاله في نهاية الستينات الميلادية من ديار حوالة الى مدينة الدمام في المنطقة الشرقية و فيه طموح بأن يكون وجهاً مضيئاً في عيون أهله و جماعته .. كانت المنطقة الشرقية في نظر المجتمع الحوالي هي “ علي بن صالح “ و كان هو ممثلاً كريماً لهم .. كل من مر أو أقام في الدمام أو الظهران أو رأس تنوره أو الجبيل إلا و يعرف من هو  “علي بن صالح” في حياته .. كان بيته مفتوحاً بكرم و بشهامة و بقلب و بإبتسامة لا تفارقه .. رعى من كانوا شباباً و عاون و لازم من أقام مؤقتاً ..

وصلت الى الظهران للدراسة في جامعة البترول في عام ١٩٧٧م .. و عرفته منذ السنة الثانية و لازمته رحمه الله لذوقه الرفيع و لصحبته المبهجة و لسعة صدره .. أشعرني بحنان الأخ الأكبر و الزميل الذي لن يتكرر .. عرفني و عرفته على صداقات أفتخر بها دوماً .. و كانت أبهية الفنادق و جلساتها مقاعد لنا.. من إبقيق و مقاهيها الى فندق الجبيل الدولي و الظهران الدولي و ميرديان الخبر.. كان أكثرها في جلسته المفضلة في فندق قصر الظهران رامادا نتسامر فيه و نقرأ فناجين قهوتنا و قد يعمينا سحب الدخان من سلاسة الحديث و طيب المواضيع .. وكنت أشعر أحياناً بالذنب لكوني أسرق وقت أهله في مكوثنا و حولنا الأصدقاء الى ساعات متأخرة من الليل و طيلة أيام الأسبوع.

إستهوى الإعلام و صناعته في تلك الأيام خواطر “ أبو عادل” و عمل في مطابع جريدة “اليوم” منذ ولادتها كصحيفة تصدر من المنطقة الشرقية و تدرج فيها حتى أصبح مسؤولاً عن مطابعها .. تمرس في خباياها و من خلفها الإعلام و تعرف على وجهاء المجتمع في المنطقة الشرقية خاصة من العوائل الغامدية العريقة في المنطقة و التي كان و لا زال لهم شأن في مجالات التجارة و قد دعموه لشخصيته المميزة و لثقتهم في عمله المتقن .. بعدها و في منتصف الثمانينات تشارك مع وكالة الطيار للدعاية و الإعلان و بذل جهداً و سعى أن يكون في مقدمة الوكالات الناشئة في المنطقة .. و في نفس الفترة تم تعينه مديراً عاماً لمجلة “ الشرق “ و التي لم يكتب لها الإستمرار لخلافات تجارية بين أقطاب التجارة و الإعلام و أصبحت فيما بعد جريدة “الشرق” الحالية .. إستمر فيها عامين و تركها و مضى مع الطيار حتى وفاته رحمه الله.

إحترف مساندة الإعلام و لم يدخل في مجال الكتابة رغم أن له أسلوب شيق و طرح جميل في الحرف و الكلمة و هذا ما ساعده أن يكون صديقاً لمعظم الصحفيين و الإعلاميين البارزين في تلك الفترة ليس في المنطقة الشرقية بل في المملكة و في دول الخليج و التي كان يملك فيها من الصدقات و العلاقات جعلته كثير الترحال اليهم حاضراً منتدياتهم و لقاءتهم كجزء من الأسرة الإعلامية.

أذكر و يكثير من التفاصيل عنذما كان يدعوني الى جلسات المساء في فندق قصر الظهران رامادا مع كبار الصحفيين و الأدباء في المنطقة الشرقية و كان أبرز هؤلاء الأستاذ و الصحفي المميز عثمان العمير و الذي ترأس جريدة “ اليوم” في الدمام لفترة قصيرة في بداية الثمانينات و إنتقل بعدها الى رئاسة تحرير المجلة و جريدة الشرق الأسط .. كان العمير يقيم في نفس الفندق طيلة إقامته في المنطقة الشرقية .. و كان الأستاذ عثمان العمير كما هو الآن بوهيمياً في حياته .. مشاكساً في آراءه و لكنه يظل قامة إعلامية مهيبة لا يجيد فنه إلا هو .. كان ممتع الحديث رقيق المفردات يجعلك تبقى منصتاً لما في لغته من البلاغة و المعاني التي تسخر بواقعية و تسحر جالسيه بجاذبية عالية.

من هؤلاء أيضا الأديب و الروائي الأستاذ عبد العزيز مشري رحمة الله عليه و غفرانه .. كان الأستاذ عبد العزيز مشاركاً في تحرير الملحق الأدبي لجريدة اليوم “المربد” في نهاية السبعينات و ما بعدها بسنوات .. له عدد من كتب النصوص و القصص الأدبية و الروائية و كان يمر بأمور صحية صعبة متعددة أثرت على إبداعه تسببت بعد قدر الله سبحانه في وفاته .. كان الأستاذ عبد العزيز صديقاً لأبي عادل و كانت بينهم كثير من الحميمية و مع بقية أصدقائه الأدباء .. و طالما وقف الأستاذ علي الجمعان مع صديقه عبد العزيز وقفة الشرفاء و الأحبة مع معاناته و في آلمه.. غفر الله لهم جميعاً و أسكنهم فسيح جناته.

الحديث لا يمل عن مناقب “ أبو عادل “ رحمه الله .. هو إنسان ثري يأخلاقه و كنز للمحبة مع أصدقاءه و عالم من الود و الحنان مع أهل بيته .. و من المؤكد أن غيري يعرف أكثر مني عنه .. و يعرف أن هذا الرجل الذي بأمر الله لم يطل به المقام بيننا طويلاً كسب محبة الجميع .. حمل في حياته هموماً عظيمة و طموحاً غير محدود .. كانت آلامه أكثر من أفراحه لكنه لم تكن تبقى على محياه و لا في دروب و مشواير حياته .. عشق الجمال و أحب الحياة و سعى في حياته أن يكون مثالاً للإنسان الملتزم الوفي المحب .. لم يبخل بإبتسامه .. و لم يصل قط حتى الى درجة العتاب في حياته مع من عاشوا معه و زاملوه.

يحق للمجتمع الحوالي أن يفتخر بهذا الإنسان العملي .. و أن يكون علماً خالداً من أعلام ديار حوالة في العصر الحديث .. و رمزاً للكفاح و الإرتقاء بحسن التمثيل لجماعته و لأهله و أسرته الكريمة في بداية النهضة السعودية الحديثة .. يحق لأسرته و لأبناءه الذين فقدوه في سن الرشد أن يفخروا به و أن سيرته العطرة موجودة و عطرها مازال يفوح في كل ركن من الأماكن التي مر بها و التي إستضافته أو إستضافها ..

لقد كان قلب أبو عادل يتسع للكثير من شجون الحياة فكيف لا يكون في قلوبنا نحن من عايشناه مكان يدق ناقوسه في كل يوم لندعو له بالرحمة و المغفرة و أن يسكنه فسيح جناته و أن يكرمه بخير الجزاء لكل حرف و لكل كلمة و لكل فعل خير.. يعقبها دعوة صالحة لأبناءه بالتوفيق و السداد و أن يكونوا خير خلف لخير سلف، و الحمد لله رب العالمين.

٨٩٥٥٩٩٤٣

٩٠٣٢٢٩٨٠٧٩٨٧٦

عن عثمان بن أحمد الشمراني

كاتب ومدون, يبحر في سماء الأنترنت للبحث عن الحكمة والمتعة.

شاهد أيضاً

لماذا الحرب ؟

السؤال الذي نطرحه هذه الأيام لماذا الحرب؟ ولماذا القتل ؟ .. ساقتني الصدفة الى ملاحظة …