لا أتذكر آخر مرة قرأت صحيفة ورقية و السبب معروف لدى الجميع، إشتريت جريدة الجزيرة السعودية بالأمس بنفس ثمنها السابق البالغ ( ريالان ) و دفعته بالعملة المعدنية المتبقية من باقي حسابي من بائع البقالة، في المنزل صنعت كوباً من القهوة و أشعلت سيجارتي طمعًا في وقت أتمتع بقراءة الجريدة ، تصفحت أوراقها العشرين و لم يشدني فيها شيء، كأني أقراء الجريدة قبل ثلاثين عاماً، إثنتان دولية بما فيها الأولى ، أربعة صفحات محلية، صفحتان إقتصاد، صفحتان لكتاب الرأي كل واحد بمعدل ثلاثة أعمدة، أربع صفحات رياضية، صفحة واحدة للكاريكاتير و أخبار منوعة، أربعة صفحات إعلانات معظمها حكومية، أما الصفحة الأخيرة فقد إنفرد بها رئيس التحرير الأستاذ خالد المالك لكتابة رسالة الى معالي وزير الإعلام ( المكلف ) الدكتور ماجد القصبي.
ذكر الأستاذ المالك في بداية الرسالة أنها للتذكير و أسهب في طرحه بمعلقة تقليدية طويلة إستعرض فيها خبرته في الإعلام و الصحافة حسب مفهومه القديم، دار بحروفه حول المؤسسات الصحفية و هيئة الصحفيين السعوديين و التي كانت محل نزاع بينه و بين الأستاذ تركي السديري رحمه الله و لم يتفق عليها الصحفيون و جعلوها كأنها منافسة بين الهلال و النصر، لم يوفق رئيس التحرير في الطرح لأنه كان يمثل الطاقم القديم و بمفهوم مدرسة قديمة لم يعد يجدي التعامل معها في هذا الزمن و في ظل التطورات المتجددة التي تمر بها المملكة.
الذي تطرق اليه الأستاذ المالك ليس ما يرغبه ولاة الأمر حفظهم الله من دور لوزارة الإعلام، ما تطرق له هو أفكار إجرائية و ليست إستراتيجية، ما يرغبه ولاة الأمر حفظهم الله هو تفعيل العمل الإعلامي ليصبح عالمياً و أن يلمسوا حضوره في كل منبر إعلامي عالمي بقوة و بحجة و بأشخاص ذوي كريزما و لغة راقية و مفهومية للبعد السياسي في كل إتجاهاته و بكل لغات العالم.
ماذا قدم رئيس التحرير المالك و غيره من رؤوساء التحرير لبلادهم في التحدث في القنوات الإعلامية العالمية، بأي لغة كانوا يتحدثون؟ هل يجيدون إحدى لغات العالم الإنجليزية أو الفرنسية أو الروسية أو الصينية؟حتى وهم يتحدثون العربية لا يستطيعون التعبير في قنواتنا السعودية و لا في القنوات الأجنبية المعربة، في هذا العالم الكبير كيف لصحفيين من دولة عظمى كالسعودية أن يفتقدوا القدرة على الحضور و يدعون خبرتهم في الإعلام و الصحافة؟.
تأملنا خيراً في الأستاذ عثمان العمير عندما كان رئيساً لتحرير جريدة الشرق الأوسط أن يكون صوتاً إعلاميا سعودياً مميزاً في كل القنوات الرئيسية العالمية، توقعنا أن يكون محللًا و منبراً لنا يشدو بخبرته الصحفية، للأسف أن رئيس التحرير العمير رحل بنرجسيته و بوهيميته الى لندن و اكتفى بإيلاف لندني موجه لنخبة مخملية يداعبنا بتغريدات قهوة الصحف و مطالعات الصحف البريطانية.
تأملنا في الكاتب المبدع عبد الرحمن الراشد و هو من الكتاب المميزين أن يكون وجهاً إعلاميًا فريداً لقوة منطقه و سلاسة فكره السياسي، إنتقل الى قناة العربية و المفترض أنه تمرس في مهارات الظهور الإعلامي التلفزيوني لكن للأسف أن إمكانياته في التحدث بطلاقة لغوية سواء بالعربية أو أي لغة اجنبية لم تمكنه، ظل الأستاذ الراشد مختفياً و باهتاً في وسط العصابة العربية في قناة العربية و جريدة الشرق الأوسط.
هؤلاء الإثنان كانا لنا أمل فيهما ثم ذهبا، أما البقية الآن فهم نسخ كربونية من هؤلاء و مقلدون لهم و لم يأتوا بشيء سوى أنهم يفاخرون أنهم من مدرسة العمير و الراشد اللذان بدأوا في الطريق السليم لكنهم لم يكملوا المشوار المنتظر منهم نحو بلادهم العظيمة.
كأني بحيرة ولاة الأمر حفظهم الله في أمر وزارة الاعلام، هذه الوزارة التي مر عليها خمسة وزراء خلال سبع سنوات.. لم يكونوا في مستوى ما يطمح له الملك و ولي عهده وفقهم الله.
إن مهمة وزير الاعلام هي إيجاد نخبة من الشباب السعودي المتعلم المثقف من خلال حاضنة لمن تتوسم فيهم روح الإعلام المعاصر بكل عناصره من الشخصية و الكريزما و الثقافة السياسية، على وزير الإعلام أياً كان أن يعرف أننا يجب أن نوجد كفاءات إعلامية تكون سماتها مستمدة من عبقرية الفقيد الأمير سعود الفيصل رحمه الله و فنه اللغوي المتعدد، نطمح في مثال أسلوب المواجهة المتمكنة التي عرف عنها الأمير بندر بن سلطان حفظه الله، نتأمل بمثال قيمة الفقيد الدكتور غازي القصيبي رحمه الله الذي كان وزارة إعلام بمفردة في حجته في اللقاءات المرئية و الكتابة و الشعر، مثل هؤلاء يريد ولاة أمرنا حفظهم الله أن يكونوا كثر بيننا بمقدار حجم الإنجازات العظيمة و مقدرات و سياسات المملكة التي جعلتها أن تكون في مقدمة الدول في كل مجال.
إن موقع المملكة في قائمة الدول العشرين المتقدمة هو دليل على أنها سعودية عظمى بقادتها و شعبها فعلى قدر عزائم حكامنا يجب أن تولد و توجد الكفاءات السعودية المتمكنة من عملها الإعلامي المتجدد و هذه هي الوظيفة الأساسية لوزير الإعلام ، و الله من وراء القصد.