نحن السعوديون نعرف اليمن و أهله جيداً منذ أزمان طويلة، عرفناهم في العصر الحديث منذ ان كانوا يمنان ثم أشغلونا بعد أن أصبحوا يمناً واحداً و كان ذلك خارج رغبتهم و رغبتنا و لكن السياسة لها أحكامها و ضلالاتها فقبل الجميع بشكوك الأمر الواقع ، نشأنا على مقولة اليمن الحكيم و السعيد و للأسف طوال السنين لم يثبت اليمنيون لنا أنهم حكماء فنفرح و لا سعداء فنسعد، نعرفهم بحكم الجيرة و نفهمهم لأنهم جزء من النسيج الاجتماعي المتقارب و هم أكثر الشعوب العربية تعاملاً معنا في مناحي كثيرة من أعمال الحياة اليومية و التجارية.
كما أننا كسعوديون نعرف حق المعرفة أكثر مما يعرفه المستعربون و المستعمرون و كذلك منظمة الأمم المتحدة و الغير متحدة، أن اليمن الشمالي يختلف عن اليمن الجنوبي في ثقافته و في قبائله و طباعه و حتى في الملبس و المأكل و المشرب، في نفس الوقت نعرف نحن السعوديون أن كلاهما الشمالي و الجنوبي أصحاب عروبة مستفيضة و شيمة عالية و كرم مشهود، عرفناه منهم و هم بيننا رغم ما يبدر من قلة منهم، لن نعمم على شعب عربي أصيل له في التاريخ جذور عميقة و إمتداد ثري من الكنوز الإنسانية التي لا ينكرها إلا جاهل.
عاش اليمنيون الشماليون و الجنوبيون في المملكة عيشة كريمة و مزايا لم تقدم لجنسيات أخرى، تعايشنا و تشاركنا معهم بكل أريحية و ثقة في المحلات التجارية الصغيرة و الكبيرة و حصل الكثير منهم على الجنسية السعودية، أسسوا بنوكاً و أمتلكوا العقارات و بنوا في ديارهم أملاكاً و قلاعاً بعرق جبينهم و برزقهم الذي كتبه الله لهم مما كسبوه في مملكة الخير، و في المقابل بنت دولتنا الحكيمة الكريمة لهم في بلادهم المدارس و المستشفيات و الطرق، دعمت حكومتنا أعزها الله بنكهم المركزي و أغدقت بكرم و بحسن نية الملايين من الأموال على شيوخهم و شيوخ مشايخهم بلا منة و لا حسد و لا طمع بل أملاً في التوافق فيما بينهم و تغليب مصلحة اليمن، كل ذلك من جهتنا لم تفسدها و لم تستفزنا التقلبات السياسية في بلادهم من قبل قادتهم و أهواءهم الإنقلابية و القومية و الإرهابية.
لكن للأسف أن اليمن كله بقبائله و بشيوخه و أتباعهم تلاعبوا في صلاح العهد و شرف الميثاق و شيمة العروبة، لم يكن اليمنيون كلهم على قدر المسؤولية و لا على حس كبير بما يحاك لهم من ايران بالذات، تاهت بهم أنفسهم و أخذتهم العزة بالإثم و تجردوا من الثقة و حلت الخيانات بينهم و حاولوا بكل الأساليب و الألاعيب أن ينتقصوا من قدرنا و مكانتنا من أجل مشيخة منفوخة و مناصب زائلة.
لقد كان نبات القات المنتشر بينهم سبباً في تذبذبهم و تشتتهم، كانت هذه النبتة الخبيثة مهلكة لعقولهم و جانحة بنفوسهم بين وفاق الصباح و فراق الليل. أرض اليمن أرض خير منذ قديم الأزمان ببخورها و مراعيها و مناخها، كل ذلك عكرها مفاسد النبات الخبيث و دخان أسلحتها و تشرذموا بين الأحباش و الفرس ففقدوا عروبتهم.
و عليه لن تقوم لليمن راية واحدة بل رايات سيطول الزمن بحملها من أناس ليسوا في وعيهم الكامل، أناس تهاوت معهم أرضهم و عادت خراباً، أناس يفسد قلوبها السلاح المنفلت و القات المغيب للعقول، بمثل هؤلاء الناس ستظل نار عدن تشتعل و خيانات صنعاء تتقد داخلياً و خارجياً ما لم يكتب الله لهم حمية و حام يدلهم على طريق الرشاد و التفرغ لبناء يمن سعيد كما كان يسمونه، عسى و لعل أن يفيقوا و لكن كيف مع من تخدرت مفاصلهم بنبتة الكيف و تسمرت أصابعهم على زناد السلاح، إن استمروا على ذلك فنسأل الله أن يجعل ما بيننا و بينهم سداً و جبالاً تكفينا شرهم و بغضهم، و الله المستعان.