هموم أمتي هذه الأيام كثيرة .. هموم داخلية فيها تصنيفات ليس وقتها .. و هموم خارجية فيها مؤامرات تحاك و من الإنسانية الشى القليل .. العقول ساعدت العالم على مشاطرة العلوم و التقنية و لكن القلوب لم تساعد الناس على الحياة الكريمة .. كثر المحللون للدم و القتل وقلّ من ينادي بالرحمة و مد يد العون .. أصبح للقتل منظمات و مبعوثون و للتشرد هيئات و قوانين .. أصبح الموت و الذهاب اليه مذهباً يسيراً و ربما أنه أحسن الخيارات للضحايا.. لم يعد هناك أضداد و إنما أحدها .. لم يعد هناك الخير الكثير و إنما الشر المستطير .. لم يعد هناك سعادة في العيش و إنما الحزن الأليم .. و لم يعد للحكمة سُمّاع و لا للرحمة شُفّاع ..
و لكن من هي أمتي ؟ .. هل أمتي الأمة العربية التي هي ذاهبة الى المجهول ؟ .. أم أمتي الإمة الإسلامية التي لم تعرف أن تعيش و تتعايش بقيمها السامية ؟ .. أم أن أمتي هذا العالم المجنون و فيه الإنسان الذي إصطفاه خالق الكون أن يكون له المكَنة فيه عن غيره من المخلوقات و لكنه ينتحر ألف مرة في اليوم ؟ ..
في زمن مضى بُهِر سكان كوكب الأرض بمفردة “ العولمة “ و أنه أصبح قرية صغيرة و أن التجارة العالمية أصبحت حرة و العملة المالية ستتوحد بدون جنيهات ذهبية و لا أوراق دولارات … و وصلت أحلام أهل الكوكب الفريد الى أنه لا داعي لجوازات السفر بينهم .. فلا حدود على الأرض و لا حدود في السماء ..
أصبح “ المعسل “ و “الشيشة “ تدخن في وسط لندن و السيجار الكوبي الفاخر يباع في جدة .. أصبحت مطاعم الكبسة و المندي و الرز البخاري على نواصي شوارع لوس انجلوس و مانيلا .. و مطاعم الماكدونالدز الحلال على إمتداد شارع التخصصي و العليا في الرياض .. أصبحت الشعوب تعرف أصناف المؤكلات الصينية و الهندية و الإيطالية أكثر مما تعرف أسماء أكلاتها القومية الشعبية ..
و كتعبير عن تداخل الثقافات إنطلقنا كبشر من على هذا الكوكب الى آفاق الفضاء بجنسيات و لغات مختلفة لنكتشف من حولنا و لكننا الآن نحفر في داخل الأرض لموتانا و قد تضيق الارض بالمقابر من كثرة القتل و المكر.. تألمت البشرية كثيراٍ في العقد الماضي و بدا عالم البشر كأنه بحر متلاطم يأكل بعضه و يرمي بإنسانيته تحت أقدامه و فوق ذلك يرفسها متبجحاً.
أصبحت الشكوك التي ترقى الى الحقيقة كثيرة و لكن لا دخان بلا نار .. أصبح “المعسل “ و “ تمر الخلاص “ في التجارة العالمية شبهة لعجينة متفجرة و عمود “ الشيشة “ هي شبهة لهيكل مدفع آر بي جي … الشكوك وصلت الى “ الهمبرجر“ من أنه قد يكون مشحون بمحتويات تورث عدم النسل و أمراض السرطان … حتى الفواكه اصبحت سلاحاً و مشكوك فيها أنها مشحونة بإبرة سمية بطيئة التفاعل و الموت .. حتى أدوية العلاج و اللقاحات أصبحت أدة لقتل الشعوب فتضاعفت أمراض الكلى و السكري و السرطانات المتعددة الأنواع .. و أصبحت سجادة الصلاة من الشكوك لموظفي الجمارك في العالم و ظنونهم أنها بساط سحري لعملية انتحارية .. و وصل الامر الى تفتيش الجسد بما فيها الأعضاء الحساسة بدل تفتيش الجيوب و المحافظ ..
هل العالم يتنفس الآن من جو غائم و مُدْخِن مما تبثه مزارع افغانستان و أحراش امريكا الجنوبية و بقاع لبنان فيتسلطن كل العالم سلبياً و يهيم في غوغائية لا ترى نهاية لها بسبب فقدان العقل و تبلد الحواس و المشاعر .. هل هذا العالم يتجرع المسحوقات و الحبوب المخدرة المنتَجة من دهاليز شوارع أوروبا و سهول الهلال الخصيب بدون علمه و بعلمه في أكله و علاجه و كثيراً برضاه … فقدَ معها كرامته و تلّبس بأرذل السلوك و السكوت عن الحق و بروح المغامرة المقيتة يقتل بها نفسه و يقتل اقرب الناس له شر قتله.
يحتار الإنسان على وجه هذا الكوكب مهما كانت قوميته أو ديانته .. و يسأل أسئلة تكررت عبر العصور و أجابها خالق الكون سبحانه و تعالى فيما ذكرها في كتبه المنزلة و ما علّمه رسله و أنبياءه لكافة البشر من آداب العيش على هذا الكوكب .. و رغم أن الإجابة يعلمها الإنسان .. لكنه يسأل دوماً : لماذا عمّ الفساد في كوكب الأرض ؟