مواضيع منوعة
الرئيسية / مقالات / حالنا .. و حال أسعار البترول

حالنا .. و حال أسعار البترول

لا يمكن أن أتنكر لقدري و تاريخي و تأثير البترول في حياتي كوني مواطناً سعودياً بسيطاً ميسور الحال من هذا البلد الطيب الغني بالبترول ، شاء الله أن أكون أحد شهود عصري، فقد ولدت في إبقيق بجانب حقل الغوار أكبر حقول البترول في العالم و درست في جامعة البترول و المعادن العريقة في الظهران و عملت مدة ثلاثون عاماً مع شركة آرامكو السعودية أحد أكبر شركات البترول في العالم، كما أني تعايشت مع دراماتيكية أحداثه و تقلباته عبر السنين منذ عام ١٩٧٣م ، أحببت و أعجبت بشخصيات مميزة خلال أربعة عقود كانت تعني لي بأنهم أسياد “ الذهب الأسود “، كانت شجاعة الملك الفيصل في قراره، و دينامكية أحمد زكي يماني في المناورة، تبعتها حنكة الملك فهد، و ذكاء السياسي سعود الفيصل، و هندسة الإخراج و التفاوض في شخص علي النعيمي، مدعومة بإقتصاديات مهندس رؤية مدينتي الجبيل و ينبع الصناعيتين غازي القصيبي.

خلال العقود السابقة التي مرت بتقلبات السوق النفطية لخام البترول و حالي و حال كثير من الناس حولي لا يهمه و لا يفرق بين سعر برميل برنت و برميل تكساس ، لا نقلب بنهم صفحات الإقتصاد في صحف الرياض و عكاظ و اليوم. كنا نسمع بمصطلح “شد الحزام” و لم يكن يعنينا، لأننا مازلنا متثقفين بالثوب العربي و الدشداشة الواسعة، لا حزام لنا الا “دكة” ملابسنا الداخلية، و لم نسمع مغالات مالية الا فيما يتعلق بمزايين الإبل و تجارة الأراضي و العقار و بصفقات لاعبي كرة القدم و مدربيهم.

لم نكن نهتم، و مازلنا نتباهى بمزايين الإبل و السير خلفها بسيارات اللاندكروزر و نتحدى فيروس كرونا بتقبيلها رغم فارق مقاييس الشفاة، يعيش الناس في نشوة البناء و البيع و الشراء في بور الأراضي و عشش و دكاكين العمائر و منازل مدوكرة بشكل فاخر ، استطاع مافيا العقار من صغار و كبار بتمويلات متلونة أن ينافسوا بل أن يحجموا دور وزارة الإسكان التي لم توفق في مهمتها منذ بداية الطفرة الإولى، إستطاع الناس البسطاء أن يبنوا دورهم و بلادهم بما كسبوه من ما قسم الله لهم من خير بعض براميل البترول، و آستطاع نخبة أن يبنوا ناطحات سحاب كمفردات للعالمية و لأستخدامها في دعايات السفر و السياحة.

كان حال أهل هذه الصحراء و أسعار البترول يتوازنان بين اليسر و العسر، لم تغيرهم عدد براميله و إختلاف أسعاره فقد كان و مازال القول بأن الخير موجود بالبترول أو بدونه، تم برمجتنا بطريقة ذكية منذ إكتشاف البترول متحلين بالطاعة و الصبر، و مقولة “ الشيوخ أبخص “ هي شعارنا بكل فخر، فنحن عرب الجزيرة وهذه ديموقراطيتنا المحببة لنا.

الكايد في الأمر أننا أبتلينا بحروب و فوضى عارمة على طول و حول حدودنا، أنتجت ثورات شعوبية فاشلة في أقطار العرب كما فشل من قبل حكام الثورات القومية و من تلاهم الذين أوصلوا بلاد العرب الى دول مترهلة رغم غناءها بالبشر و الثروات الطبيعية.

أتذكر ما سبق و أنا أتابع كغيري و بشكل مزعج تهاوي أسعار البترول و تصريحات سماسرة السوق و التي بدأت تتناغم مع أصوات الشامتين خاصة من إخواننا العرب الذين أغرقناهم بمال وفير، إكتشفنا لاحقاً أنهم لا يستحقونه و لكن الثواب و الأجر من الله ، و مازال يردد مثقفيهم الكُسْح أن بترول العرب لكل العرب، و أن تكون لنا السقيا و لهم المال و يهددون بقرب زوالنا و تلاشي رجعيتنا. هذه الشماتة لم تتركنا منذ ظهور البترول و حتى الآن و ما زال حساد الأمس و خلفاؤهم اليوم في غيهم يتمادون.

و رغم متغيرات الزمن يظل لشعب المملكة العربية السعودية مقاييس عريقة لا تؤثر فيها الأمور المادية تأثيراً مجحفاً، فالأسلام عقيدة  و العروبة كينونة و البداوة سمة، و هذا الشعب الكريم واثق من حكمة قيادته و تلاحم مواطنيه في السراء و الضراء، و يعلمون أن البترول سلعة تحكمها الحاجة و العرض و الطلب وهي مثلها مثل الزيتون و القطن و الفراولة .. و لكنها ثمينة و لها أهلها، و هي في المقام الأول هبة من الخالق سبحانه لخلقه الكرام و الشكورين..  فبشكر الله تدوم النعم.

عن عثمان بن أحمد الشمراني

كاتب ومدون, يبحر في سماء الأنترنت للبحث عن الحكمة والمتعة.

شاهد أيضاً

لماذا الحرب ؟

السؤال الذي نطرحه هذه الأيام لماذا الحرب؟ ولماذا القتل ؟ .. ساقتني الصدفة الى ملاحظة …