مواضيع منوعة
الرئيسية / مقالات / عندما يعود الأحبة بالرسائل

عندما يعود الأحبة بالرسائل

الرسالة هي عرف قديم عرفه الإنسان منذ أن عرف الكتابة، كل الحضارات كان لها رسائل في التواصل منها ماهو  بين الحكام وكان لها رسلها ولهم الآمان بحسب نوع الرسالة، ومنها بين المحبين والآقارب وهي ماتعرف برسائل الأشواق، وهناك أنواع أخرى في العتاب والفراق والتهنئة والمدح وقد تصل الى باقي أمور الحياة الغير مرغوب فيها، عرف الإنسان الرسالة حسب لغته وحسب مقدرته في سطر بلاغتها و حسن صياغتها، تطورت في أزمان وبلغت ذروتها ثم تباطأت عبر السنين بحكم التطور التقني الذي إجتاح العالم، فنسي الإنسان القلم والقرطاس ومفردات اللغة وتحول الى المختصر المفيد والجاف في التعبير والمتهالك في الوصف. 

عند العرب كانت الرسالة ذات لغة بليغة ومرتكزها ونبعها الأساسي كان القرآن الكريم، كتاب سماوي في معجزته البلاغية وطيب حروفه المتناسقة الوضع والأسلوب، بوضوح وبلاغة وقوة حجة، إزدانت كتابة الرسالة بمفردات الكتاب الكريم عند العرب بالحسن والجمال ومراعاة مقتضى الحال، فكانت مقدمة الرسالة في البسملة والصلاة على الرسول البليغ محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ثم الدعاء بالخير والصلاح في متنها، وأوسطها الإستشهاد بآيات الله الحكيمة وبأحاديث النبي القرشي، ومنتهاها وختامها أن الله من وراء القصد.

ولعل رسائل الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في وقت أزمة الخلافة كانت الأمثل والأبلغ، كانت رسائله تفوح بحكم الأقوال وفصاحة قرآنية المفردات ومن كلام رسول الله لم يعهدها العرب من قبله، من بعده تطورت كتابة الرسائل في العهد الأموي والعباسي حتى منتصف القرن الرابع، بعد  دخول العجم الى دوواين الحكم والحياة العامة ضعفت مقدرات الكتابة وبدأت في أن تكون أشبه برسائل بدون روح أو نفس بلاغي، رسائل لا تعطيها قيمة أدبية مثلما كانت تجعل القارئ يقرأها عشرات المرات من حسن حروف كاتبها.

قال أحد قدماء العرب البلغاء في رسالة الى رفيق له طال عنه في اللقاء :

“ نحن في الظاهر على افتراق، وفي الباطن على تلاق، نحن نتناجى بالضمائر ونتخاطب بالسرائر “.

إلى أن قال: “ إن أخطأتك يدي بالمكاتبة، ناجاك سري بالمواصلة، رب غائب بشخصه حاضر بخلوص نفسه ، إن تراخى اللقاء فإننا نتلاقى على البعاد، وتتلاقى نظر العين بالفؤاد”.

وطالما أننا في بداية شهر رمضان الخير والبركة، فإن أبو منصور الثعالبي المتوفى سنة ٤٢٩هـ  بعث برسالة الى مولاه يهنئه فيها بالشهر المبارك فكتب:

“ ساق الله إليك سعادة إهلاله، وعرفّك بركة كماله، لقاك فيه ما ترجوه ورقاك إلى ما تحب فيما يتلوه، جعل الله ما يطول من هذا الصوم مقروناً بأفضل القبول، مؤذناً بدرك البغية ونجح المأمول، ولا أخلاك من بر مرفوع، ودعاء مسموع، قابل الله بالقبول صيامك، وبعظيم المثوبة تهجدك وقيامك، أعاد الله مولاي أمثاله، وتقبل فيه أعماله، وأصح في الدين والدنيا أحواله وبلغه منها آماله. أسعد الله مولاي بهذا الشهر، ووفاه فيه أجزل المثوبة والأجر”

ربما أنني أسهبت في المقدمة ولكنها ملتزمة بما وردني من الأخ العزيز أحمد بن صالح العاتي و الأخ الكريم اللواء علي بن سعيد الغامدي حفظهما الله من رسائل ثناء وعرفان بما أقوم به في هذه المدونة، ذكرتني الرسالتان بأيام مضت عندما كانت الرسائل  ذات وقع على نفوسنا نحن الأجيال السابقة، كانت بلاغتنا في كتابة الرسالة مربوطة بالنسق اللغوي المحبب المتداول،  فالإستشهاد دائم بين سطورها بأبيات الشعر وما عرفناه من عبارات ناعمة كانت تردد من أجيال قبلنا، كانت عناوين تتشابهه وتدور بيننا وكل يريد أن يعبر بأحلى العبارات التي عادة ماتكون منقولة من كتب الأدب والشعر، وحتى في بعض الأحيان من كلمات أغاني سمعناها خاصة من كوكب الشرق أم كلثوم، وفي كثير من الأحيان من مؤلفات وأشعار أحمد شوقي وجبران خليل جبران، كما أن المظروف الذي  يحوي الرسالة داخله، خاصة اذا كان مرسل باليد عن طريق شخص مرسول، فقد كان تحفة فنية عليه رسوم من القلوب والأسهم والألوان المختلفة.

هذه أزمان الرسائل وقد أعادها الأخوة “ أبو جمال “ و “ أبو ثامر “ في رسالتين حميمتين، أشكر لهما ما أورداه في ثناياها وأسأل الله للجميع التوفيق والسداد، إنه سميع مجيب.

عن عثمان بن أحمد الشمراني

كاتب ومدون, يبحر في سماء الأنترنت للبحث عن الحكمة والمتعة.

شاهد أيضاً

لماذا الحرب ؟

السؤال الذي نطرحه هذه الأيام لماذا الحرب؟ ولماذا القتل ؟ .. ساقتني الصدفة الى ملاحظة …