يخرج بعض دعاة الحنين الى الماضي بروايات سردية لما كان عليه الجيل السابق فيسقطون أحداث يسوقونها على أنها هي الواقع المنتشر، فيما أنها حبكة دراما لا تمثله. لقد بلغ هؤلاء التصرف في الخيال (التلفزيوني) المتمثل في تجسيد أدوار مجتمعية كانت هامشية أقحمت لمجرد الإثارة ، وغراميات تشبه أساطير العشاق .. أجتزوا منها موقفاً في زاوية مظلمة وصنعوا منه مسلسلات وحلقات مبهرة للمشاهد تجعله يفرط في تمجيد البطولة الوهمية والحزن المزيف والغرام المتعدي لأصول الطهارة.
على عكس هذا الإجحاف في السرد، فإننا لا نعثر على تلك المشهديات في سيرة من عاصروا تلك الفترات، ولا من سبق ممن تداولوا أو كتبوا عن تلك الأيام الخوالي، وبعضهم مازالوا على قيد الحياة بيننا.
لم يكن ذلك الزمن يشكل نوعاً من القداسة، أو أنها لم تكن يوماً المدينة الفاضلة، لكن الأمور تقاس بالصدق والتطرق الى ما يعكس الواقع لا عن ما يتداوله صغار النفوس وأدنى الناس .. حكايات التخلف والتطور في المجتمعات هي نوع من التنافس بينها، وربما تصل الى العلاقات المتوترة بين أصحاب الخير وبين أسافل الشر.
لا شك أن ظاهرة طبيعة التوترات تظهر بين جيل وجيل، ولا يمكن استحضارها بسطحية لتظهر ذاك المجتمع على أنه في مجملة هم أبطال أو صعاليك كثيرو الهوى وسكارى للغرام، وهذا لا يعني أنهم بمأمن من كل ذلك ولكن التفريط في المحاكاة ظالم كما يصوره الخيال الروائي.
إن حكايات الروايات (المبعثرة) وروح (الفانتازيا) المختلقة عن مجتمع بعينه لا يخدم فن التصور البصري بل يشوهه، ويأخذه الى سياق ترسيخ الإيحاء السلبي في نظرة الآخرين له، خاصة عندما تكون السمعة بأنهم جيل “الطيبين”.
إذا كان البعض يعيب بأن تراثنا القديم قد عابه التشويه في فترات فإن مرده هو الجيل التالي لما سبقه، وعذر التالي هو انقلاب على مفاهيم السابق بحكم أن التالي أصبح أعلى ثقافة بدرجة متزامنة، وقد يجد نفسه التالي بعد ذلك سابق لما يليه من جيل .. تلك التعاقبية تورث زلزالاً في كل شئ، وتعكس الشكوك والظنية فيما سبق، وهذا شئ مؤلم لأن سنة الله في كونه هو تطور المفاهيم والتفهم لأحوال العباد ومراعاة ظروف الزمن وليس دحرجة الدواليب الى الخلف.