مواضيع منوعة
الرئيسية / علمتني الحياة / غرور الثقافة

غرور الثقافة

اقتلعت بعض الكتب القديمة من رف أمام مكتبي المطل على نصف النافذة… كنت أسدلها بميل لكي أعرف عنوانها… كتب مختلفة المعرفة بفكر سابق لم أعد مقتنعا بما تحويه… “لقطات من العالم” لم يعد يشبعني وانتهت صلاحيته… “الأيام” لطه حسين فيه من طول الوقت ما لا يوازي سرعة العصر… وكتب فلاسفة جمعتها لم تستطع أن تأخذني إلى نتيجة.


القراءة من بعض الكتب لم يعد ممتعا لي… ربما تكون عادة من عادات الزمن الجميل لأنها النافذة الوحيدة للمعرفة وقضاء الوقت وربما يصل إلى ضياع دقائق الزمن.


عدد من الكتب اقتنيتها وربما لم أكمل قراءتها… من المطارات ومن جرير والعبيكان… وقبل ذلك من حراج الكويتية وبسطات الباعة في رصيف شارعي البطحاء والثميري في الرياض… كنت فيما مضى استمتع بقراءة عنترة والزير سالم واللص الظريف أرسين لوبين والمحقق شرلوك هولمز… انتهيت منها فلم أصبح صاحب سيف ولا راكب خيل خلاف أنني لم أكن أرغب أن أكون لصا ولا مأمور مباحث.

بعدها حاولت أن أكون مثقفا تاريخيا أو شاعرا فارتفعت درجات ثقافتي بمصاحبة أصحاب التخصص الأدبي أو الهوايات ممن حولي فاستحسنت مجاراتهم في النقاشات والحوارات… فرغم شهرة ابن خلدون ومقدمته لم أفهمها إلا من المتحدثين… والمتنبي وشعره محفوظ في مكتبتي ولكن ليس في قلبي. كثير سمعت عنهم من الأدباء والكتاب والممجدين… حاولت أن يكونوا حاضرين في جنبات مسكني في استعراض إنتاجهم الفخم من الأغلفة والمجلدات المرقمة والطباعة مختلفة السنين ودور النشر ..أذكر أنني زرت عددا من معارض الكتاب في الآونة الأخيرة ولكن لم تكن لي رغبة في تحفيز عامل الثقافة والمعرفة لدي… ربما أنني أشعر أن عقلي وإدراكي لا يوازي كتابة رواية أو سيرة أو قصة يكتبها من يجيد تلك الفنون. 

من أصحابي المثقفين بالفطرة في حياتي هم نابغون في التحصيل الدراسي فنمت معارفهم بالتدرج والفهم المقنن واستمرت مع الزمن حتى في تقبل مصادر الثقافة المختلفة بشكل سلس غير معقد… أما من يدعون الثقافة المعروفون في أوساطها بالقراءة المتواصلة والنهم المسعور بتكثيف حوزة الكتب والإمعان في التثقيف الليلي وفي مقاهي “نجيب محفوظ” وأدبيات “الحداثة”، فهم يتمثلون بصفة المثقف المتشبع بألوان مشتتة يكاد الغرور والترفع يطغى على شخصياتهم فوق أدبيات المجتمع.


الثقافة هي اقتناع الإنسان بأسلوب طرحه ولغته المكتسبة من طبيعة سيرته في تكوين الشمولية في إدراك ما حوله… يبنيها الإنسان من تطوره عبر زمن ويرتب عقله ليفهم الأشياء ويحللها دون عناء. الفرق بين الثقافة والمعرفة هي أن الثقافة وعي للحياة مستمر  والمعرفة علوم ثابتة متفق عليها، فلا تزايد أيها الإنسان بين الثقافة والمعرفة.

عن عثمان بن أحمد الشمراني

كاتب ومدون, يبحر في سماء الأنترنت للبحث عن الحكمة والمتعة.

شاهد أيضاً

صحف مطوية

في سنوات سابقة من حياتي كنت استمتع كغيري بنعمة قراءة الصحف والمجلات المطوية التي كانت …