في المدرسة الخالدية الإبتدائية في حي المرقب بالرياض وفي عام ١٣٨٣هـ ، عرفت عالمي الخارجي الأول .. أن أتعرف على أول الناس من خارج بيتنا .. بدأت أتأقلم بعد أن تناولت أول وجبة خارجية وهي ( الصامولي بالجبنة) بدلاً من القرص الجنوبي والعسل .. وعرفت ( غرشة الببسي) بدلاً من ماء الزير .. كم آلمتني قدمي من زجاجها المكسور في حوش المدرسة .. عرفت أول جرح غائر في جسمي ولأول مرة أعرف غرز الجراحة العميقة، ومازال أثرها في راحة قدمي.
كنا بسطاء والعالم من حولنا بسيط مثلنا .. ليس هناك خيارات لكي يحتار الذهن .. كنا في سجن محترم يسمى المدرسة، في وصف وقتها يعبر ربما عن الحرص من الضياع والذهاب الى المجهول المعيب ..كل شيء رخيص وبالقرش والقرشين .. لم تكن تغرينا وتسحرنا سوى تلك السيدة الجميلة التي تبيع الفول السوداني والجالسة في مكان استراتيجي حول المدرسة .. تنتظرنا بعد طلوعنا لكي تخطف بابتسامة ما كنا سنوفره لشراء مجلات الرسوم الكرتونية الرخيصة والرائجة قبل دخول التلفزيون.
أشتم رائحة (سندويتش التونة) من زميل أعطاه له أهله كفسحة وأقول له من اين لك هذا؟ وما هي التونة؟ .. ولم أعرف ولا زميلي أنها (سمك) إلا بعد مرور ست سنوات من فهم وتصريف أسم (التونة).
كنا خارج المنزل نأكل مصنعات محلية بلا رقابة ولا حماية مستهلك ولا صلاحية انتهاء من بيوت حارة المرقب والعود .. والذي كان سكرها المكنوز في (علوك) معالجة تمتط من أفواهنا حتى تصل الى طول المسطرة، وأكياس الماء المثلج الملون بالفيمتو الذي ينتزع أنفاسنا ويلون شفاهنا بالأحمر ليصبح مثل شفاة فتاة الغلاف على مجلة الكواكب المصرية.
رغم ذلك لم نشتكي وقتها من مغص أو تسمم أو الحاجة للتغوط الممسك .. ولم تصبح جيناتنا مشوبة بالتعقيد الكيمائي الغير وراثي .. كل شيء كان سهالات لا اسهالات.. ولا نتذكر أن منظمة الصحة العالمية أصدرت بياناً عن ذلك !! … مضت التجارب الأولية رغم تكرارها بدون استدعاء الإسعاف أو الذهاب الى مستوصف المرقب زاحفًا من ألم .. ونختصر المشوار بجرعتين من غطاء (ماء غريب) الذي يجعلك منشرحاً سكرانا.
لن أدخل في مقارنة مع الزمن الحالي فلكل زمان ( مدرسته) و ( معلموه) و (رفقاه)، وفرق بين أيام المرقب وأيام العليا وفرق بين ليالي الجنوب وليالي الشمال في الرياض .. والحمد لله رب العالمين.