للعرب لغة مجيدة وإرث ثقافي طويل، يتناقل بين فصاحة اللسان ونقاء القلم، نشروا ما عرفوه بالحفظ والذاكرة المنقولة بلسان عربي فصيح ثم دونوه لاحقاً بالقلم الرشيد و الحروف النبيلة، كلاهما كان فيهما عذوبة القول والعقل الذي يبحث عن الحكمة، زان تاريخهم وزانت أرواحهم بعد البعثة النبوية التي غلفت أرواحهم بسماحة الدين القويم.
يقولون أن لغة العرب جمعت من أفواه العرب، قالوا المعلقات و كتبوا الكتب، خيالهم الواسع وحرفهم المتطابق المخلص أوجد إرثاً ذا قيمة بلغت مبلغها في الثقة والأمانة، كان زهير بن أبي سلمى معروفاً بالتنقيح والتهذيب وله قصائد تعرف بالحوليات، قيل أنه كان ينظم القصيدة في أربعة أشهر، ويهذبها وينقحها في أربعة أشهر، ويعرضها على قبيلته أربعة أشهر، ولهذا كان يقدمه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه على سائر الفحول من طبقته.
* قال عتبة بن أبي سفيان :
“ إن للعرب كلاماً هو أرق من الهواء، وأعذب من الماء، مرق من أفواههم مروق السهام من قيسها،بكلمات مؤتلفات، إن فسرت بغيرها عطلت، وإن بدلت بسواها من الكلام استصعبت “.
* يعتبر قس بن ساعدة الإبادي خطيب العرب قاطبة، والمضروب به المثل في البلاغة والحكمة، كان يدين بالتوحيد، ويؤمن بالبعث، ويدعو العرب الى نبذ العكوف على الأوثان، ويرشدهم الى عبادة الخالق، ويقال أنه أول من خطب على شرف، وأول من قال في خطبه “ أما بعد “، وأول من إتكأ على سيف أو عصاً في خطابته، وهو القائل : البينة على من إدعى واليمين على من أنكر.
* قال ابن المعتز يصف القلم :
“ القلم مجهز لجيوش الكلام، يخدم الإرادة، ولا يمل استزادة، يسكت واقفاً، وينطق سائراً، على أرض بياضها مظلم وسوادها مضيء ، وكأنه يقبل بساط سلطان، أو يفتح نوار بستان “.
* وقالت ليلى الأخيلية المتوفاة سنة ٨٠هـ في رثاء “ توبة “ :
لعمرك ما بالموت عار على الفتى
إذا لم تصبه في الحياة المعاير
وما أحد حي وإن عاش سالما
بأخلد ممن غيبته المقابر
وكل شباب أو جديد إلى بلى
وكل امرىء يوماً إلى الله صائر
* قال المتنبي يلفت نظر العقلاء الى طلب المعالي:
إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
فطعام الموت في أمر حقير
كطعم الموت في أمر عظيم
يرى الجبناء أن العجز عقل
وتلك خديعة الطبع اللئيم
وكل شجاعة في المرء تغني
ولا مثل الشجاعة في الحكيم
وكم من عائب قولا صحيحاً
وآفته من الفهم السقيم