كثيرة هي العناوين في هذه الحياة .. عناوين للدنيا نسعى لها كالمال و الصحة و البنون و الفضيلة و قد نجملها في مختصر على أنها “ العيش الكريم “ .. و عناوين للدار الآخرة هي الإيمان الأمثل و الصلاة المتقبلة و الرزق الحلال .. طمعاً في جنة الخالق التي وعد بها عباده الصالحين .. و خوفاً من يوم الحساب كي تخف موازيننا و نحقق رضاه سبحانه و تعالى.
و رغم الحرص الكامل منا على ما سبق إلا أن عنوان التضحية قد يمر مرور الكرام و لا نعطيه حجمه الحقيقي و نصبغه بأشياء دنيوة و مادية .. ربما يكون في أصلة كرم أو مساعدة أو واجب يحتم علينا المشاركة فندخلها من باب التضحية .. ندخلها لكي نحظى بكلام معسول أو رتبة إجتماعية و إذا تمادى فيها الإنسان أصبح من باب الرياء و المفاخرة و قد يصل أسواء أحواله عندما توصف بالمنة و إستكثار ما قدم.
هذه ممارسات للتضحية و لكن أسمى معانيها هو التضحية بالنفس و هنا أتحدث في نطاق إجتماعي و فردي لأن خارج ذلك هي أمور مقننة و هي إختيار مبني على حماية منظمة. و في التضحية بالنفس في سبيل حدث فضيل قد يسلم الإنسان منها و قد لا يسلم .. إن سلم كان له شأن و إن لم يسلم فهذه الشهادة الحقة.
و في مجمل القول نحن الرجال قد نتردد في التضحية و لكن المرأة لا تترد فيها حتى لو بالنفس و في كل الأحوال هي أم .. خلقت و عاشت لتكون أماً .. و هذه غرائز أوجدها الخالق في تكويننا فهي تتنازل عن كل شي في حياتها مهما بلغ ثمنه المادي أو المعنوي .. من أجل زوجها و أبناءها.
نعي جميعاً أن التضحية كلمة مرادفة للأمومة و الأمومة معنى عاطفي جميل و غني بالمشاعر الفياضة في الأنثى السوية المؤمنة بالله سبحانه و تعالى .. و هذه النفس الحانية للأم و روحها و حياتها تقف على حافة قمة التضحية بالنفس .. هي مستعدة للتضحية في كل لحظه حتى لو رأت دمعة في عيني زوجها أو أحد أبناءها و هذه القمة من النادر أن يصل إليها الرجال.
في الأيام الماضية عاصرنا حدث جلل عن تضحية بالنفس كانت بطلته إمرأة عظيمة من “بلاد حوالة” إبنة لبيت كريم و منزل عال و زوجة وفية لزوج من بيت عزيز و ذي شهامة .. ضحت بنفسها من أجل إنقاذ أبناءها من حريق كتبه الله و لا راد لقدره.. صارعت الموت ما بين غيبوبة و صحوة تسأل عن بنوها .. لم يكن لديها في خاطرها و عقلها غيرهم .. رحلت رحمة الله عليها و غفرانه و لم تعلم عنهم لأن الله إن شاء الله سيبشرها بجنة الخلد دار لها قرار و خلود ..
هي الشهادة بإذن الله .. و هذه الأم و الزوجة التى لن ننسى وفاءها و تضحيتها .. قصتها هي درس أخلاقي لنا الرجال ممن لم يعظموا المرأة و لم يقدروها و يظنون أنهم كأزواج تضحياتهم كبيرة و هي لا تتعدى قروض من البنوك أو سيارات فاخرة و يتباكى آخر الشهر بأنه ضحى ..
هذه المرأه هي “ شهيدة حوالة “ و هي الإيمان و الطهر و الشرف و التضحية .. وليعلم الرجال منا أن كل إمرأه هي مشروع تضحية و شهادة بإذن الله كأم و كزوجة بكل ما تتخيله و ما أجملها عند الأم عندما تتنازل عن روحها و حياتها من أجل أبناءها ..
عزاءنا البالغ لأسرة آل شائق و آل مرزن على مصابنا جميعاً في هذة المرأة الكبيرة في قومها و في رحيلها .. عظم الله أجركم و جبر مصابكم و غفر لها .. اللهم أغفر لها و أرحمها و أعف عنها و أكرم نزلها و وسع مدخلها و أغسلها بالماء و الثلج و البرد و نقها من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
اللهم إرحمنا إذا صرنا الى ما صاروا اليه ،، لا حول و لا قوة إلا بالله. إن لله وإنا اليه راجعون.