( هذه الحروف كتبتها أثناء فترة النقاهة بعد مرضي, وترددت كثيراً في نشرها لأسباب تخصني، قررت أن أنشرها لتحكي مختصر رحلتي وتجربتي مع المرض ومع من رافقوني في هذه الرحلة من أسرة وأقارب وأصدقاء ، جزاهم الله خير الجزاء ).
داخلي حكاية مرض، تعايشت معه أو بالأحرى عشت معه مكرها، حملت المرض ولا أدري إلا في زيارة خاطفة للطبيب، حولت شكوكي وخطفتني نحو اليقين بأنني مريض، لم أقتنع في البداية وبعدها كان الخوف كبيرا والأمل في عقلي يتضاءل، بدأت رحلة العلاج وغمرتني عاطفة من كانوا حولي، رغم الآلام أردت أن أكون صبورا .. كانت تشعرني نظرات الشفقة من الآخرين بحالة معنوية عالية.
تناقل الأطباء وأنا على سرير المرض نقصاً في حيويتي وضعفا في جسدي، يتبادلون وأنا في شبه إغماءة رأيهم الطبي، أصدرت لهم صك غفراني بتوقيعي المسبق بكل ما في جسدي من آلام لا أعرفها، أشعر أن أعضائي الداخلية فيها خلل، يختلي ما تبقى من هذا الجسد الملئ بأنابيب الدم التي تنذلق صباحاً ومساءا، تدخل الدماء وتبقى في الضلوع حائرة تبكي، وفي الساقين عروق جامدة تصرخ، وتأخذ ما تبقى من سنيني.
كنت أقول بأنني لن أخفي خبر الإصابة وبأني سأتغلب بعون الله على المرض ولن أهزم نفسي، كنت في لياليه العصيبة أشعر في خيالاتي أنني أدلف إلى كهف، كلما مشيت داخله خطوة يقل النور وأعلم أن نهاية الطريق قد تصبح مظلمة، شعرت أن قدرتي على الحياة تغادرني بهدؤ وليس لي لا حول ولا قوة إلا الاستعانة بالله العلي القوي، تلك كانت مواجهة مع الحقيقة ولكن علي أن أتصالح معها لأن الأقدار تصدع الآلام،
قبل أن يفتي الطبيب يرسلني إلى المختبر والأشعة ومرات الى غرفة العمليات، ورأفة بحالي وبحكم سنيني، أعطى أفضلية في الدخول إليها بلا انتظار، نتائجها قد تبقيني على السرير أو كرسي متحرك بجذع مائل ونظر تائه … في خارج المستشفى، يسأل عني الأقارب والجيران والأصدقاء وعندما خرجت سألت عن جاهزية سيارة الإسعاف!!.
أثناء فترة التعافي احسست أن الدنيا لعبت معي مزحة قاسية، وجدت نفسي من مصادر غيظي، استغرقت وأنا على فراشي المنزلي وقتا متألما ومتأملا في كل لحظة مضت. .. لكن السطر الميت في قصة مرضي لم أكتبه وبقي قلبي في مكانه الطبيعي وهو الأهم .. والحمد لله على كل حال، والختام بقوله تعالى في القرآن الكريم عن سيدنا إبراهيم عليه السلام: { وإذا مَرِضْتُ فهو يَشْفِيْنِ}، صدق الله العظيم.
