العبرة هي وضع بشري يغوص فيه كل الجسد في بحر من الدمع، ويعول فيه القلب بآهات الألم العاطفي، وتجرفه ساعات الصبح المتيقظة بأمسيات الليل البهيم نحو عاطفة محمومة.
مقادير تنتهي في أرواحنا تهزها مسارات نقاش عميق أسهمت في إغناء العيون، فانكشفت عن تلازم أرواحنا مع الآخرين … فكما أننا نتمايز في أذواق اللون المفضل فقد نتفق على اللون الأبيض لمسح الدموع وفي أوراق الشجر الخضراء لبيان الصفاء.
دموعي الآتية من مدينة يكثر فيها وإليها الحنين وفي شوارعها ماتت بعض الأوراق والرسائل … كنت أخشى أن الدموع التي ودعت فيها ذلك الشارع وتلك الزاوية أن أسكبها مرة أخرى… تبكي براءتي وتمضي إليها وتبقى الأطلال كما ذهبت …
لم أستطع أن أخفي وجوه الأحبة… تأوهت براكين الذكريات… في ذلك الشارع تعلمت الأسماء ووئيد الخطى… تراقصت على ثراه وشربت من شجون الجوى… سخرت مني العصافير الصغيرة وسألتني كيف ستصبح بعد حبوك الأول؟.
ما أقسى التذكر بالأمس بسحره وسماه والشمس الذائب لونها الأزرق في عيوني. قد أفقد الذاكرة يوما ويصار إلى روحي الخفيفة وتمتلكني الحسرة والاشتياق لكل ركن في البيت القديم… رأيت كل تفاصيله وسارت بلورات مقتنياته في جسمي الرقيق… في خيالاتي رأيت المرآة التي كنت أعدل فيها هندامي، وكانت تبكي لوحدها مكسورة، يثور موجها بأنفاسي وأضلعي كأنها تعانقني.
توجعني الغربة عن شارعي الأول وتضع كفني الأبيض بعد أن تعلمت فيه، أحكي بعد عقود كيف هدأت وصمت الهديل ومات معها كل شيء… أفقت ولم أعد أرى الشارع واستدار عنقي إلى وكري القديم.
اللوحة عادت قديمة لتصفعني مآذن الحي (الله أكبر)… أدخل مسجدي الأول في ثوب جديد وأرتحل في كنف ربي تسبيحا وتكبيرا…