أحتفظ برسائل قديمة من الأقارب والأصدقاء وأحن الى قراءتها من وقت لآخر فهي تبعث الشجن والحنين الى وقت مضى .. الرسائل المكتوبة بخط اليد هي سجل اجتماعي يكشف مشاعر زمن كان فيه البعد محركاً ودافعاً للسؤال عن الأحوال ..في هذا السياق أتذكر رسائل كتبها كاتب مقرب لصاحب الرسالة من أب وأم لا يجيدون الكتابة والقراءة، يصف مشاعرهم في بداية الرسالة بأسلوب معبر قد يتجاوز تعبير صاحب الرسالة ولكنه يعبر عن خوالج الأب وحنين الأم.
عادة ما تأتي بداية الرسالة من الأب بحروف قليلة لطبيعة أن الحنان والشوق لا يظهران بسهولة نظراً لثقافة المجتمع المتحفظة فتكون :
(أرجو أن تكون بصحة وبعافية وبخير ، نحن بخير وبأتم الصحة ولا نسأل إلا عنك )
أما الأم فتستفيض في مشاعرها الظاهرة والدموع الواضحة والمشاعر التي ترغب أن تكون كلها مكتوبة بأسهب العبارات:
(إن قلبي معك في كل لحظة يتمنى لقاءك والعودة إلي سالماً بفرحتك الدائمة والمستبشرة بالسعادة والحنان، فقلبي ليس إلا لأولادي الذين يملأونه بالسعادة والبهجة، أتمنى ياولدي أن تكون عند حسن ظني وظن أبوك الذين قلوبهم تنتظرك وتنتظر إخوانك).
ثم ينتقل الكاتب إلى مايمليه عليه الأب أو الأم بحروف الوصايا وغالباً ما تنقل الأم بتعابيرها وصايا الأب في رسالتها:
( إبني الحبيب: أبوك يبغاك تعتمد على الله ثم على نفسك وهو فرحان بكم ومشتاق لكم ويرجو لكم التوفيق، يا ولدي لقد اصبحت رجلاً فكن ذا ثقة وعزيمة، وأرجو من الله العلي القدير أن تسير في الطريق المستقيم في حياتك .. هذا رجائي مع تحياتي وتمنياتي لك بالنجاح والتوفيق).
رسائل الوالدين المرسلة منهم إلى الأبناء هي الأكثر صدقاً والتصاقاً بالذات، كانت على سجيتها فلا تنطع في التعبير ولا تكلف في الصياغة، وكان ما يكتبه الكاتب الناقل للمشاعر هو ما أملاه قلب الوالدين إليه وبتعبير الكاتب الذي قد يحسن في الخط لكن لا يفتعل التعابير الملتوية أو الغير مفهومة.
أما الأبناء فكانت هذه الرسائل من والديهم هي الطاقة التي يستمدون منها القوة لمواصلة المسير، ورسائلهم المرسلة إلى والديهم والمكتوبة إليهم بأقلامهم كانت تبث أحزانهم والآمهم من الفقدان والتغيرات التي طرأت لكنها تحمل لهم رباطة الجأش وقدرة التحمل رغم أزمات مالية أو صحية وظروف لا يبوحون بها في الرسائل.
كان تبادل الرسائل ذا قيمة معنوية عالية لا يحتمل كل من المرسل والمرسل إليه أي تأخير حتى لو كان ذاك العذر تأخير في وسائط البريد، لذلك فإن عامل الإستجابة عنصر مهم في عدم انقطاعها ولا بد من الإسراع في الرد وهذا شغف مربوط بثقافة تبادل الرسائل في تلك الأيام .. وأخيراً المخرج يكتب إسمه في آخر زاوية من الرسالة وتحته : كاتب الخط يهديك السلام.