مواضيع منوعة

خلف الطاولة

عندما كنت موظفاً خادماً للناس، يأتي أصحاب الحاجات الى طاولتي يسألون ويستفسرون، كنت أشعر بسعادة غامرة أحياناً عندما أنجح في الإجابة وليس المساعدة لأنه واجبي الوظيفي يحتم علي أن لا أتصرف (حسب ميولي)، أتقرب من الإيجابية بابتسامة تنهي الحديث.

كان معظم من يجلسون أمامي ولدقائق هم من أصحاب الحاجات الحقيقة ويبدو الخجل والتواضع والتقدير ديدنهم، بينما المتغطرسون (وهم قلة) عكس ذلك، الدقائق تصبح ثقيلة وتصبح ساعات وربما تظنها دهراً، كلامهم ملتوي ومتناقض، تظهر حركة اليد اليمنى (غالباً)  للواحد منهم كأنه يقود فرقة موسيقية بلحن نشاز، تاره أحسبها متجهه إلى وجهي، ثم تعود ليضرب بها ساقيه بعد كل جملة غير مفيدة منه، فأعرف أن من أمامي يحاول أن يقول الحقيقة ولكن للأسف ليست موجودة في قاموسه الذهني.

أعلم أن الإفراط في الوعي علة، لذا فأني لا أتذكر ماهي المسألة، ولا كيف أجبت عليها، ليس تنكراً ولكن أعرف أن فيما يشبه (الثقب الأسود) في إدراكي للوعي قد أزالها نحو بئر عميق درأت عني سهامها التي قد تصيبني. 

بكل تلك الأحاسيس، لم تعرف نفسي أن داهمتها أنانية أو حقد، كنت أعلم أن المشاعر  تتزاحم في نفسي ولكني لا أسمح لها بأن تتمادى، أستغفر الله بعد كل عمل وأقدر أن هذا عملي وهذا قدري وليس بتاثير أحد وأحاول ان أتقنه قدر المستطاع.

كنت أقضي الليالي مؤرقاً يقظاً لخجلي من نفسي وكيف تعاملت من الناس، تأخذني الشكوك في صحة توجهي وقراري الذي أعلم بأنه ليس نهائي ففوق كل قرار تقييم من هم أعلى مني رتبه، وأنني حلقة في هذه السلسلة، لم أحاول أن أكون بطلًا أو مثلما يقولون ( شعبي Popular )، كنت أعلم أن الإنسان محدود في أن يكون إيجاباً طوال الوقت، أو أن يعرف هو قبل غيره بأنه شخصية مقبولة وسط كل أماني الناس ورضاهم.

أحدث نفسي الآن بكل سرور عظيم ورضا كبير، رغم أنني مررت أحيانا بلحظة وحدث لي فيها قولان، تمنيت أني صفعت وجهي، لكان من المحتمل أن يكون بداخلي سرور إيجابي وأن يتحول ذلك في تلك اللحظة الى شئ تافه لا أفكر فيه.

لقد تملكني الحماس لأكتب عن تلك الرحلة ولو بشيء مغلف بالغموض، أحسست بجرح في كبريائي، وقررت الصمت عن الكثير.

عن عثمان بن أحمد الشمراني

كاتب ومدون, يبحر في سماء الأنترنت للبحث عن الحكمة والمتعة.

شاهد أيضاً

صحف مطوية

في سنوات سابقة من حياتي كنت استمتع كغيري بنعمة قراءة الصحف والمجلات المطوية التي كانت …