كم تمنيت بعد هذا العمر أن أصبحت مطرباً ومغنيًا يعزف العود ويرقى المسارح مثل محمد عبده أو حتى مثل رابح صقر أو عبد الله بلخير.
كم تمنيت بعد هذا العمر أن أصبحت لاعباً يرفس الكرة ويسجل أهدافاً مثل ماجد عبد الله أو سامي الجابر أو حتى مثل محمد نور.
سيطرقني أهلي بكل كلمات الفساد والدشارة، ويرموني الناس والوعاظ بالفسق والمعصية، لكنني على الأقل سأصبح وافر الثراء وسأملك سيارة “ بنتلي “ غالية الثمن وسأملك منزلاً أو بالأحرى قصراً، أعيش فيه ببذخ وبحياة حالمة، سأسافر الى كل بلاد الدنيا وألتقي أحلى الناس وأرذل الناس، ومن شتمني بالأمس سيطرق باب قصري ويرعى في صحون الطعام ويطلب مني مالاً بدون سلف ليسافر الى الصين.
سيرحب بي حجاب الملوك ووكلاء الأمراء والجماهير الغفيرة، سيدفعون قيمة تذاكر سفري المتكرر، ومصاريف زواجي في أحد الجزر أو على أفخم اليخوت، والحصول والتوسط في كل ما أرغب من هذه الدنيا.
لقد خدعني من علموني مثلاً لم تفدني في حياتي سواء الشيء اليسير أو المستور، تغذيت بقيم فرضها الناس علي، فيها من الهروب والتقوقع الشيء الكثير، بينما غيري لم يهتم ولم ينزعج من تنمر الناس، وهو من الأول الى الأخير تجاهلهم فنال أكثر منهم، دخل المجال المريح والمربح برغبة ومغرماً وليس مرغماً مثلي ، أتى من أطراف المدن بكل براءة ففتحت له الخزائن والأبواب والشوارع بسبب عود تعلمه بشغف ومزاجية، وبكرة قدم إشتكت منها ومنه شبابيك البيوت وأبوابها ثم مارسها بهواية في حواري الفقراء والمساكين.
سيقولون لي أرزاق وهي مكتوبة، أحياناً كثيرة ألوم نفسي عند سماع هذه الأقوال المحبطة للهمة، كلما ذكروني أنني ولله الحمد مشيت على الطريق المستقيم أتذكر الحقيقة المرة أنني مشيت في طرق عمودية متعرجة كما دلوني وأوهموني، وبقيت الطرق الأفقية السالكة للاخرين الذين أخذوها ” باردة مبردة “.
بصراحة كل ماسمعت في هذه الدنيا هو تزوير وإلتفافات عن هوى النفس، لم تعطيني المثائل المعلبة غير التخلف في طلب الرزق والتصنع أنني فوق الشبهات، تعلمت من هذه الحياة أنها ليست كفاح بل صراع وليست شطارة مدرسة بل ثقافة عيش، هي خيارات نختارها بقناعة، قد تكون صعبة القبول عند عامة الناس ولكنها هي الثابتة في أن الخيار لم يكن خيارنا .
الحكمة الذاتية مع كثير من الفهلوة هي كيف تكسب من صاحب المال الوفير الزائد عن حاجته، وبقدر أن يكون هذا الفاحش الثراء مستمتع بأن تطربه بأغنية وتسجل هدفا لولبياً في مرمى الفريق الذي يعشقه، والجماهير تصفق وتشجع لك وله وهي مفلسة.
****
يقول الشاعر إبن سهل الأندلسي:
تنقاد لي الأوتار وهي عصية
فأُذِلُّ منها كل ذي استكبار
ولقد أزور القِسيِّ أهِلّةً
فأعيرهن دوائر الأوتار