مواضيع منوعة
الرئيسية / علمتني الحياة / رحلة متقطعة مع أقنعة متصدعة

رحلة متقطعة مع أقنعة متصدعة

أعترف لنفسي بعد السنين الطوال بأن نصف حياتي ذهب عبر باب المجاملات التي لم تغنيني و لم تفقرني و لكنها عطلت من إستمتاعي بالحياة لبعض الوقت، هذه الرحلة المتعبة جهداً و المكلفة مالياً كانت في محيط النطاق الأقرب لي من الناس، ما دنا و ما علا في العرف من العامة  كانت أنفع و أصدق لأنها مبنية على المصالح، مثلاً مع صاحب البقالة و مهندس السيارة و عامل النظافة و فني صيانة المنزل و حتى من تعاملت معهم وقتياً في الأسفار و المهمات، كل إنسان تصالحت معه لمدة قصيرة هو أكرم و أنقى من الفئة التي يعتبرها البعض الأولى و الأولى بفتح الشدة و ضمها.

الناس الذين جمعني بهم  مصلحة آنية هم أفضل من القوم الذين كانوا حكاية هزلية في صحف تاريخي، المصلحة لها حساباتها الثابتة، من لهم تاريخ معي كثير منهم كانت مشاعرهم متلونة، كل يكتبها بأسلوبه و يفسر حياته و لقاءاته  معي كأنه ” مرسول الحب “، يتمعن بفوقية في ذكرياته معي كأنه المخلص و هو في الواقع نقمة في سرده و رده. 

أقدر  لكل جيل جديد قادم تفهمهم التصاعدي للواقع و العيش في نطاق أحكامه الواسعة في عدم إبتذال الذات و البعد عن  النفاق الإجتماعي الملئ بالمجاملات الغير نقية،  الجيل القادم يعرفون الماضي في قصصه الممجدة و المحرفة و رواياته المزيفة، لم تعد تنطلي عليهم نصح الأمثال و لا آيات المغفرة.

إن معزوفة الجيل السابق بأن الماضي حلو و الحاضر مر و المستقبل حنظل أمر لا يتوافق مع نظرة التقدم و التمدن، و لا يجب أن يحبط من إختار الاتجاه الواقعي للحياة، سيستمر محو الأفكار البالية مع كل جيل قادم و من يتمسكون بالرياء المقنع و البعيد عن الواقعية سيكونون على هامش حديث الناس  في حياتهم و منسي ذكرهم بعد مماتهم.

إن أردنا أن تستمر حياتنا و سنيننا المتأرجحة بين القصر و الطول لا بد أن نستلهم من الماضي عبراً و دروساً،  و أن نتقدم بفكر منير نستمتع به بالحياة بدلاً من النفور عن كل ما هو جديد. 

الحكمة هي أن تنسى أو على الأقل تتناسى من كانوا أراجوزات في طريق حياتك، لأن الحبال التي كانت ممسكة بأطراف العلاقة مصيرها أن تذبل و تنقطع، و بالذكرى الأليمة يعيش الإنسان مفتوناً و بموته تمحى و لن تكون قصصاً إلا لمن توهم و كتب مذكراته و عنونها بعنوان : كفاحي أو حياتي و قد يترك العنوان لمن تسلم اليه الوصية،  بعدها لن تنفع و لن تضر الحروف و لكنها قد تفضح زيف الحياة بتلوينها السريالي و زيف الناس الذين ماتوا قبله أو من سيموتون معه أو بعده. و الله المستعان.

عن عثمان بن أحمد الشمراني

كاتب ومدون, يبحر في سماء الأنترنت للبحث عن الحكمة والمتعة.

شاهد أيضاً

صحف مطوية

في سنوات سابقة من حياتي كنت استمتع كغيري بنعمة قراءة الصحف والمجلات المطوية التي كانت …