مواضيع منوعة
الرئيسية / علمتني الحياة / ملوك المملكة في حياتي

ملوك المملكة في حياتي

منذ أن من الله على هذه البلاد في العصر الحديث بتوحيد مجيد قاده مؤسس هذه المملكة المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز طيب الله ثراه و بلادنا في خير و أمان، خير وفير بإكتشاف البترول الذي أنعم الله به علينا  و رزق حميد عاشته ألأجيال المتعاقبة،  حبانا الله بحكمة ملوك سطروا لهذا البلد ملاحم النماء و العطاء .. عمروا بيت الله الحرام في مكة و دار رسوله الأمين و أرسوا قواعد الأمن و الحياة الكريمة لشعب وحد ربه و أعز ملوكه و أحب أرضه، لم يعرف أبناء هذه المملكة الشرفاء للخيانة طريقاً و دائماً ما يدينون لهذه الأسرة المالكة السعودية بكثير من الفضل و الثناء بعد الله سبحانه و تعالى.

 أجدادنا و أباءنا و نحن نشأنا على محبة ملوك هذه البلاد  و محبة من يناصرهم من دول العالم .. لم نعرف الضيم و لا الذل و لا المهانة. 

عشت أزمان سنين عمري  مصاحباً لمراحل تطور بلادي و عشت مع غيري تعاقب ملوك أحببنا في كل ملك مجداً كريماً و سيرة عالية و ذكرى عطرتها سمعتهم الحميدة  و خطواتهم الواثقة لبناء هذا المجد التي يعيشه كل شبر من أرض السعودية ..

لم أعش فترة الملك سعود رحمه الله و لكن الحديث عنه كان طاغياً في كرمه و تحضره و حماسته العروبية، أذكر أحداث في سنواتي المبكرة من عمري عندما كان أبي و أقاربي و  أعيان قبيلتي الجنوبية في مدينة  الرياض يتهئيون للمشاركة في حفل مبايعة الملك فيصل غفران الله عليه في موقع و ساحة الملز و ما زلت أستذكر قصيدة العرضة التي تغنو بها بعد عودتهم قيلت في المحفل المهيب :

لا غابت الشمس الضحى و الليل دخانها

هذا دنا من ذا و طير البين غنّا و حام 

غنّا الرعد والبرق في مسودة اركانها

حنّا شبوب الحرب حنّا اللي نموج الظلام 

 و ما زلت أذكر سنيناً عندما كنا نخرج من مدارسنا مع معلميننا و بشكل متكرر صباحاً و ظهرا للمشاركة في إستقبال زعماء الدول العربية و المسلمة، نتجه من فصولنا في مسيرة مشياً على الأقدام  على جوانب شارع الوزير و الثميري وحول قصر الملك فيصل حاملين الأعلام و ملوحين بأيدينا تحية للفيصل رحمه الله و لضيوفه.

 نشأ في قلوبنا حب الفيصل و نحن نشاهده يلوح بيده في سيارة مكشوفة يحيينا و نحيه، عشنا في عصره بدايات مناحي الحضارة الحديثة من إفتتاح للتلفزيون و إفتتاح مدارس البنات ، كان الشعب محباً له و كانت أشهر الترانيم في عهده التي كان الكبار و الصغار يحفظونها و يرددونها:

فيصلنا يا فيصلنا.. بيدك رافع فيصلنا

كل الشعب يدعي و يقول .. الله يقوي فيصلنا

فيصلنا راعي الأمجاد

وفى حق الحكم و زاد

حنا ندعي للأجداد

عهد نباهي به الأجيال

 كانت أسهمأبو عبد الله  في قلوب شعبه كبيرة و لكن مشئية الله أرادت أن نفجع بوفاته يوم الثلاثاء ٢٥ مارس ١٩٧٥م ، كنت وقتها في الصف الأول ثانوي في ثانوية الرياض ، سمعنا الخبر ظهراً من جهاز الراديو و كانت مشاعر حزينة فلقد كان الفقد كبيراً. كانت الرياض تبكي و أتذكر بكاءنا في اليوم التالي في فصل الدراسة .. هطلت أمطاراً غير عادية لعدة أيام متوالية و كأنها تواسينا و تبشرنا بعهد مبارك في عهد الملك خالد رحمة الله عليه و صوت محمد عبده يصدح :

ربنا واحد و دربنا واحد 

و كلنا فيصل و كلنا خالد

كلنا فيصل يا سيوف العز و المجيد التليد

و كلنا خالد في العمل و الرأي السديد

كان عهد الملك خالد رحمه الله ربيعاً في خيره الوفير و مبهجاً في مسار تحضر المجتمع .. كان الخير و البركة يعمان في أرض المملكة  و إخضرت  بمطرها و زرعها و نماءها المتطور.

 تغيرت حال المجتمع الى طفرة إقتصادية لم يعرفها من قبل،  إنعكست ببحبوبة من الرزق على حياة الناس بمختلف طبقاتها. كنت وقتها منشغلاً بدراستي في المرحلة الثانوية و الجامعية و لكني ألمسها على حياتي و  حياة الناس ،تهذبت أحوالهم في ملبسهم و معيشتهم و أزدادت الرواتب بنسب عالية و ظهر التناغم بين البداوة و الحضارة في المعيشة و الرفاهية التي إفتقدها جيل في بداية حياته فكانت التحول الأول و الكبير لهذه البلاد و شعبها.

كمواطن في العقد الثاني و الثالث من عمره مرت السنين من حياتي سريعاً في عهد الملك خالد غفر الله له مثلما عادة تمر السنين الجميلة .. و لله في أمره شأن حيث كانت وفاته رحمه الله في عام ١٩٨٢م، قبل يوم من حفل التخرج من الجامعة في الظهران ، كان حزن مؤلم في يوم لم يكن للفرح له عنوان كما يجب .. تأجل و أقيم الحفل بعد  أيام بحضور باهت غابت عنه رموز كبيرة توقعنا حضورها قبل الحدث الجلل فقد كانت الفاجعة مسيطرة على وجوه الجميع لموت الملك الصالح.

بعد أربعة أشهر من تولي الملك فهد رحمه الله مقاليد الحكم في البلاد بدأت حياتي العملية في منتصف العقد الثالث من عمري  في مدينة الجبيل الصناعية إحدى أيقونات المجد التي صنعها الملك فهد في مجال التنمية و التطوير للمملكة.

 كان عهد الملك فهد عهداًفوق هام السحبو كان لا يمضي أسبوعاً إلا ونراه يفتتح أو يضع حجر الأساس لمقومات التنمية الحديثة و قد خص الجبيل بزيارات متكررة بمعدل مرة كل شهر منها المعلن و منها غير المعلن للإطلاع على أدق التفاصبل. 

 تجلت حكمة الفهد و نفوذ سياسته النقية  أثناء حرب تحرير الكويت التي صنع منها لنفسه و لبلده إحترام و ثقة العالم في فن إدارة الأزمات .. عشت فترة الحرب أثناء عملي مع عائلتي في الجبيل الصناعية بلا خوف على بعد ٢٠٠كم من الحد مع الكويت و كنا في وسط عمليات الحرب في برها وجوها.

رغم جو الحرب و صلف العدو الغاصب إلا إننا كشعب داخل المملكة لم نشعر بفداحة الأضرار و لا بقسوة العيش و لا بإهتزاز الإقتصاد و أستطاع الملك فهد طيب الله ثراه تجنب المخاطر و حماية شعبه و بلده بحكمة بالغة و في ذلك يقول الشاعر خلف بن هذال :

قادنا فهد بن عبدالعزيز بن سعود  

وإقتنعنا بالقياده وأخذ منا الولا

الزعيم اللي عن العرب وأوطانه يذود 

قايد(ن) للحرب والضرب يِتلا ماتَلا

عزك الله ياملكنا وللكايد تكود  

ضاع كيد دماغ غل(ن) تغلغل ثم غلا

لقد أبلى الملك فهد بلاء حسناً في سنوات حكمه التي كانت الأطول من بين حكام المملكة .. صنع التنمية الحديثة  و كان رجل سلام لمن يرغب السلام  و رجل حرب في ساحات النزال و إسترجاع الحقوق  عن طريق مبادراته و مصالحاته بين الأطراف العربية و الإسلامية و تمكن من وضع المملكة في مصاف الدول المتقدمة .

 كان لهذا الجهد الكبير للملك فهد رحمه الله الأثر على صحته و جسده الذي تعب من رقي المعالي و طول التفكير و إتخاذ القرارات .. كان ظل الفهد  وفيراً و رؤية وجه الصبوح تعطي الثقة لمن حوله حتى و هو في أشد مرضه .. كان وفاء له بأن يبقى على قمة الحكم رغم المرض و كانت هيبته و صنيعه السابق نبراساً يضئ بشعاع المجد و العزة.. كانأبو فيصلغالي الأثمان و مقامه في القلب ثابت  و أكثر من ذلك فقد كان هو روح الوطن.

وصلت في منتصف العقد الرابع من عمري و قد استشربت حب هذا الوطن من هؤلاء القادة العظام .. طفولتي و شبابي و رجولتي عشتها في عز هؤلاء الملوك فيصل و خالد و فهد و قد أحببتهم كثيراً لأنهم غرسوا بلا إتصال مباشر حباً لهم لا يذهب و مقراً في روحي مغروسة حتى مماتي.

في ذلك العمر تكون القناعة كبيرة و المواطنة و الولاء عظيماً، توازنت في عمري و أنا أدنو من الخمسين عاماً عندما تولى الملك عبد الله الحكم في البلاد عام ٢٠٠٥م.

حافظأبو متعبعلى مكتسبات إخوانه الملوك السابقين و توجه الى شعبه بنفس و روح الإنسانية و إلتف الشعب حوله على  الحب لهذا الوطن المتطور.

كان عهد الملك عبد الله فيه من العاطفة الشئ الكثير لأنه حمل لواء المحبة و السلام.. تمكن بفروسيته و تلاحمه مع مختلف طبقات الشعب أن يكون قائداً ملهماً للإبداع و الإنفتاح و محاولة تغير صورة إرتسمت في عقول العالم عن السعوديين .

كانت كيرزما الملك عبد الله مؤثرة في الجيل الجديد و مبعث ولاء لأبناءنا و لأسرنا و مصدر فخر بهذه الأسرة المالكة التي تجدد نفسها مع كل عهد ..  كنت أرى في نفوس أولادي البالغين فخرهم و سمو مواطنتهم بسبب هذا الرجل الفارسالملك عبد الله “ .. كان الرجل في مهمة صعبه في مثل عمره أن يسير بمملكته و بشعبه وسط عالم جديد يموج بأفكار نشأت مع تطور المدنية العالمية .

جاهد ملك الإنسانية بقوة ليمشي بالسفينة في بحر متلاطم الأفكار و الأحداث ، و قد كان ملهماً للشباب ذكوراً و إناثاً و كان أيضاً لكبار السن عنوناً للبساطة و رقي الحكام المؤنسين بلطف الكلام و جمال المبسم و روح النكتة الملكية لتعطيه كمال الرجولة في شخصيته العامة، و أبلغ ماقاله الشاعر محمد الشريف :

عبد الله يا راعي المكارم و الشيم

غرد لك الصداح و الزهر إنتشى و الخير عم

و تراقصت الأغصان و نسنس من السوده عبير

عبد الله يا حلم الصغير و عزوة الشيخ الكبير

و تمضي سنوات عمري سراعاً مزهواً بإنتمائي لهذه البلاد العظيمة و مطمئناً لمساهمتي كمواطن بسيط ممتن لملوك بلادي بما كتبه الله لي من رزق و خدمة تشرفت بها في مجال عملي، و وصلت رحلتي الى يوم إخترته بنفسي و هو التقاعد.

بعد أشهر من تقاعدي توفي الملك عبد الله غفر الله له في يناير ٢٠١٥م  و تولى الملك سلمان حفظه الله قيادة المملكة، و من حديث سنيني و الأماكن أن يكون خبر توليه و أنا متواجد في مدينة جدة، و قبله تولية الملوك رحمهم الله : الملك عبد الله في مدينة الجبيل، الملك فهد في الظهران، الملك خالد و الملك فيصل في الرياض.

لقد عشت مراحلي الدراسية حتى المرحلة الثانوية في الرياض، و أهل الرياض يعرفون الملك سلمان جيداً، يعرفونه من عمله الدؤوب المنتظم في أمارة الرياض و متابعته الشخصية لتطويرها، يعرفه من يتابع أخبار الملوك بأنه ظل الملوك سنداً لهم و أن لا صورة للملوك العظماء رحمهم الله في مراسيمهم الرسمية بدون ” سلمان ”   لأن سلمان بن عبد العزيز آل سعود هو تاريخ آل سعود و هو مهندس النظام المقنن فيهم، هو رادار لكل واردة و صادرة في محيط المملكة، سلوكه و هيئته الفارعة الرجولية مفخرة لإسرته و شعبه.

من عاش مع الملك سلمان بقلبه في سنوات ماضية لن يفاجأ بأنه ملك العزم و الحزم و الحسم، و من لا يعرف سلمان فعليه أن يسأل و يعرف جيداً و إلا فأن مقاصد من عاده مصيرها الثبور و الفشل و سيبقى من يحاول الكيد و المكر في حسرة تودي به يوماً عند أقدام سلمان صاغراً.

يقول الأمير عبد الرحمن بن مساعد شعراً في الملك سلمان :

مهابٌ في الأنام طويل قامة

قديمُ قديم عهدٍ باستقامة

مثيلُ أبيه أشباهاً وفعلاً

عصي الوصف سلمان الشهامة

يريد لأرضه أمناً وسعداً

يريد لشعبه عز الكرامة

وإن عادى فتعساً للأعادي

أشد نوائب الدهر انتقامه

وإن ليث الجزيرة رام حرباً

فلن ترجى لمجترئ سلامة

لقد حاول الكثير من أصنام السلطة و حكام الغرور و آيات الشر و الحركات المرتعشة أن ينالوا من المملكة حكاماً و شعباً طوال اكثر من مئة عام، حاولوا أن يكسروا عزيمة شعب المملكة بالإساءة الى”  بيت ال سعود ” الشهم الكريم، و لكن هؤلاء المتلونون فشلوا و خابت مقاصدهم، سقط و رحل بلا رحمة من قام أو حاول بالحرب، تشرذم الحساد و أحرقت ديارهم بغضب الله، و تنصل الخائن من عهوده معنا و سيلقى ما لا يسره في قادم الأيام .

أكتب هذا بعد أن طويت سنيناً من عمري تجاوزت بها الستين عاماً و لم أرجي من وراء حروفي شيئاً سوى حسن الختام من الله، و أدعوه سبحانه أن يحمي هذه البلاد من شرور أعداءها و حسادها و أن يعز حكامها و شعبها لتبقى مملكة سعودية عربية عظمى على مدى الأزمان.

حفظ الله من أعزها و أحبها و ناصرها و أذل الله من عاداها و من حاربها.

عن عثمان بن أحمد الشمراني

كاتب ومدون, يبحر في سماء الأنترنت للبحث عن الحكمة والمتعة.

شاهد أيضاً

صحف مطوية

في سنوات سابقة من حياتي كنت استمتع كغيري بنعمة قراءة الصحف والمجلات المطوية التي كانت …