من ذكريات الصبا و من خصوصيات يوم الجمعة المبارك التي يتذكرها من عاش ذلك الزمن الجميل .. أننا كنا نشنف مسامعنا بسماع قراءة البث الإذاعي من إذاعة الرياض و التي عودتنا كل جمعة ببث قراءة سورة مريم المرفقة بصوت الشيخ سعيد محمد نور سماعاً من الراديو المعلق في جدار البيت القديم .. كان جمال الصوت و رقته المنسجمة مع ما تحويه السورة الكريمة من قصة مريم إضافة الى آيات قصيرة معبرة و مختصرة عن ثلاثة عشر من الرسل و الأنبياء.
نسمعها و نحن نستعد للذهاب مع والدنا رحمه الله للذهاب الى الصلاة مشياً على الأقدام الى مسجد الشيخ أحمد المنصور رحمه الله و الذي عرف منذ السبعينيات من الهجرة أنه إماماً وخطيباً، لأكثر من ثلاثين سنة لجامع المرقب الواقع شمال شرق وسط الرياض القديم.
هذا المسجد الجامع يعد من أكثر المعالم الدينية شهرة وحضوراً في السبعينات من الهجرة، وعرف عن الشيخ أحمد أنه إمام عصره لحسن صوته، وكثرة الحضور إلى مسجده من مختلف الأحياء، والضواحي، والقرى، لأداء صلاة التراويح، ويمتلئ صحن، وفناء، وساحات المسجد. وتزدحم الطرقات، والشوارع، والميادين القريبة منه. ويتوقف السير من كثرة الحضور، لأداء الصلاة، واستماع تلاوة القرآن، وقراءة الحديث، ودعاء القنوت… كما أن مسجده جمعية خيرية لجمع الزكوات، والصدقات، والهبات من تجار، وأعيان، ووجهاء الرياض لتوزيعها على ذوي الحاجات من الفقراء، والأرامل، والمساكين.
و في سيرة الشيخ المقرئ سعيد محمد نور رحمه الله ذكر أنه : قارئ بطريقة الأسلوب المؤثّر ,سوداني الأصل عاش في مصر ، وكان يقرأ القرآن بطريقة كلها شجن تستدر الدموع من العيون. في نهاية السبعينات الهجرية قصد الشيخ سعيد المملكة لآداء فريضة الحج، وقبل أن تحط الباخرة التي تقله رصيف ميناء جدة وصلت أخباروصوله إذاعة جدة أول إذاعة سعودية فكان لها النصيب الأكبر في تسجيل قراءات له، فقد قام بتسجيل سورة مريم وطه والحديد والتكوير على أشرطة سلك قبل ظهور أشرطة الريل، ولاقت تلك التسجيلات استحسان الكثيرين من المسلمين حتى أن المديرية العامة للإذاعة آنذاك كانت تسجل الآف النسخ من تلك التسجيلات وتقدمها لضيوف الرحمن من الوزراء والرؤساء والإذاعات الإسلامية، وكان الملك عبد العزيز ي من أشد المعجبين بتلاوة الشيخ سعيد، فعرض عليه البقاء بالديار المقدسة لكن الشيخ سعيد أعتذر لظروف خاصة، لكن محبة السعوديين للشيخ لا تزال باقية في قلوب الكثيرين من ذلك الزمن.
رحم الله الشيخين أحمد المنصور و سعيد محمد نور و جزاهما الله خيراً و غفر لهما و رفع مقامهما في رياض جناته على ما قدماه من أنفاس إيمانية ما تزال ترعى في جوانح من سمعهما و تشرف في زمانهما بأنه كان يسعى اليهم مختاراً راضياً لطيب مقصدهم و حسن إيمانهم الذي يسعد القلب و يطهر الروح و يبقى بتأثيره مدى الحياة لمن عاش ذلك الزمن الجميل.