مواضيع منوعة
الرئيسية / مقالات / الواتساب .. المثالية المقنعة

الواتساب .. المثالية المقنعة

لست مغرماً بوسيلة التواصل الإجتماعي “ الواتساب “ فليس لي مجموعات فيه و لا أنا عضو بارز في أحدها و عادة ما أُرغم على الدخول بالاستضافة و أكتفي معظم الأحيان بالسكوت الحرفي لكني أخرج منها سريعاً بوضوح و لا أشعر بالإحراج من أعضاء المجموعة فأنا لم أدخل برغبتي و لي الحق في الخروج متى ما أردت.

و في غير المجموعات فأني أرد بشكل مباشر و بتعبيري الشخصي و لغتي المتواضعة و رأيي فيما أُرسل الي حتى لو كان ذلك خلاف رأي المرسل و لكني أبدي رأيي بوضوح في المادة المرسلة و التي لم يكتبها أو يصورها المرسل العزيز، و هذا المنهج ساعدني كثيراً في تقليص عدد الرسائل التي في عرف لغة البريد الألكتروتي ( JUNK) و هي تصنف من الرسائل المزعجة و تحكمها قوانين عالمية حين تجاوزها للذوق العام لحرية التعبير و قد تصل في ظروفنا الحالية الى درجة التحريض و بث روح الفتنة بين المجتمعات سواء دينية أو قبلية.

المثالية المزعومة في رسائل “ الواتساب “ و مقارنتها بسلوك و تاريخ من يرسلون و من ينقلون بشراهة ما يصل اليهم من منقولات لا تمثل شخصياتهم أو حتى ثقافتهم و تجربتهم في الحياة هي مقارنة مفضوحة .. أنهم تابعون و ينقلون كببغاوات أو كحامل الأسفار على طريقة “ أنشر تؤجر “ و “ و ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين “ و التي أحترمها و أقدسها و لكن ليس في مثل سياق تلك المنقولات .. و كأني لن أذكر الله حتى يذكرونني برسالة طويلة أعرك عيوني بين لحظة و أخرى لكي أسترد نظري بسبب نظارة القراءة الطبية .. فوق ذلك التهديد بأن الله سيقطع يدي إن لم أرسلها لشخص آخر ..

الى ذلك نرى من خلال “ الواتساب “ شخوص من عامة الناس و من يدعي العلم و الدعوة و بدون إجازة شرعية في كليبات كوميدية قصيرة تحط من قدر الذوق و القيم بطريقة ليست مقصودة و لكنها مخلوطة بجاهلية عفى الزمن عنها  .. لاتمت بصلة لتراثنا التاريخي و قيمنا الإسلامية المنشودة .. و قد تكون ساذجة في المحتوى سلبية في الهدف .. يختلف محتواها عن الإبداع و ثقة المعلومة عن ما ورد في مؤلفات علماءنا الأجلاء و القامات الذين كنا و ما زلنا نستمتع  و نستفيد  بقراءة كتبهم و مؤلفاتهم الباقية منذ أمد السنين .. استمتاع و قبول لبيانهم البليغ و شرح الأسباب و الحجة و سعيهم في الأرض طوال سنين عمرهم لبلوغ الحق و البيان المفصل  لإثراء العقول و الجوارح  و بيانها لأجيال من بعدهم.

أخي الناقل : ثقافة المنقولات ليست ثقافة و لا معرفة فهي مبنية على طريقة الوجبات السريعة لا تغني و لا تسمن من جوع .. فإذا أنت لا تعرف كيف تتحدث ببلاغة فأنت لم تقرأ القرآن و تتمعن في معانيه و قواعد اللغة فيه  و لم يتعود لسانك منذ الصغر على جمال اللغة و طريقة إلقاءها .. و إذا أنت لم تقرا كتباً من أمهات الكتب الدينية و التاريخية بتمعن في وقت مبكر في حياتك و تعود اليها من وقت لآخر  فأنت وصلت متأخراً عن غيرك .. وإذا لم تقرأ في ثقافات أخرى و تبحث في التنوع الحضاري لمن حولك و تبتعد عن الأحادية في التفكير فأنت تعيش وحيداً ..

غكس ذلك – عزيزي الناقل – لن يجعلك  محاورا جيداً في مجلس أو نقاش فكري و لن ينصّبك شكلك الخارجي و هندامك أن تكون في موقف المُقنع باسلوبك و السلس في حديثك أو الى من تراسلهم .. حتى لو كنت مختبئاً وراء لوحة مفاتيح جهازك و المعرف لا يعرف في هذه الأحوال بحكم معرفتنا بقدرات و تاريخ بعضنا في الحياة كأقارب او زملاء.

من مساوي منقولات “ الواتساب “ أنها قتلت الذوق العام و لم يعد لدينا علماء و أدباء منذ دخوله القصري فقد أصبح الكل عالماً و أديباً و مخرجاً و مراسلاً و فقدنا لغتنا العربية في تصويرها بالكتابة و الشعر و النثر … أصبحنا نكتب تاريخنا بصور و كليبات لسلوكات سيئة و نبدي آراءنا بمقاطع قصيرة من “ طاش ما طاش “ و “ توم آند جيري الكرتوني “ و تركيبها على حدث معين ، و بداءنا نسلك طرق متعددة في إبراز الفضائح و التلذذ بالتشفي و الضحك الأحادي بها ظانين أنها الشفافية و انها من باب التسلية ..  هي في الواقع سمة نهاية المجتمعات من الناحية الثقافية و الإجتماعية.

و رغم ما سبق فأنني لا أعمم، فهناك رسائل تعطيني قيمة مضافة في مادتها و رسائل قصيرة بليغة باسمة و ليست متشائمة .. تعكس بحق ثقافة عالية و مميزة ممن يرسلها لأني أعرفهم حق المعرفة و حتى أنني أتوقع منهم الأكثر و الأمتع و أتمنى أن يستمروا معي … أما ما أعنيهم فليعذروني عن صراحتي في ثقافتهم و في منقولاتهم التي تجاوبت معها بطريقة سلبية ..  لكني أشعر كثيراً بالراحة الذهنية التي وفرتها لنفسي لكي أقراء و أعيد ما قرأت من ذهبيات كتب العقيدة و السيرة النبوية و التاريخ و الشعر و ما تيسر لي من كتب و مواد علمية لثقافات أخرى.

خاطرة :

“ الأسيوية صعبة “ !.. و كذلك المثالية صعبة .. و كلاهما ننشده و لكننا يجب أن نكون مؤهلين التأهيل الصحيح لكي نستحقها.

عن عثمان بن أحمد الشمراني

كاتب ومدون, يبحر في سماء الأنترنت للبحث عن الحكمة والمتعة.

شاهد أيضاً

حكايتنا مع المنتخب

رغم اهتمامنا وتشجيعنا لفرقة تحمل شعار الوطن وهي تمارس كرة القدم نسميها ” المنتخب ” …