الحقيقة أننا في عالم سائح في أنهار الهوايات الغريبة ورغبات فضح الخصوصية وتهدمت كل جدران الحياء والخجل ..
أصبحنا سواحين وسراحين في دروب الرفاهية الإجتماعية .. كنا نضع فواصل تصالحية بين كيفية العيش داخل المنزل وبين خارجه .. كنا في الداخل وجوه “ترهقها قترة” وفي الخارج ملائكة .. أما الآن تحولنا إلى أسر عالمية واستهلكنا بكثير من الشطب تصرفاتنا الماضية .. لم يعد يربط بين أفراد الاسرة التي كانت واحدة سوى خيط رفيع من النصح والإرشاد ولم يبقى هناك وسيط يحذر من الخطر والمبالغة .. ضاعت الميثاقية في طرق الإستقلالية الحداثية.
لم يعد هناك معنى واضح في تعريف انفسنا .. جزر إجتماعية وسط منازلنا بغرف مستقلة فيها من الفضول والسرية، أصبحت الأنانية في حياتنا ميزة .. فقدنا أجهزة التحكم في صالة البيت الواسعة … تحولنا إلى سيلفيات على صفحات التواصل الإجتماعي بعواطف مسروقة .. لم يعد اللهو (سياكل) و ألعاب بلاستيكية ولا المرح (صكة بلوت) .
تشايخ النشأ الجديد على تلك الأزمنة وذهب الإعتناء بهم فهم يعتنون بأنفسهم بطريقتهم .. كنا نخاف من ذنوبهم التي روجنا لها، وأصبحوا يتفاخرون بكل ذنب هو في الماضي حرام وفي الأصل حلال .. إنها أوهام تركنا لها المسافات وتباعدنا برغبتنا ورغباتهم.
نخترع لهم سعادة بوهيمية وننشرها لتشفي شغف داخلي بالمتعة في الموضة والترندات .. أصبحنا رماديين في تعاملنا والترويج بدون مبالاة تصفيقاً لهم .. فضلنا التحول إلى شخصيات افتراضية غير فاعلين لنصور مشاهد واهمة نجعلها بالقوة القاهرة حقيقية .. نظن أن لنا رأينا كأرباب بيوت لكن هناك مصطنع أقوى ومؤثر أكثر منا وهو الهاتف المحمول لأنه الآن هو من يربي أبناءنا وأحفادنا .. أصبح أذكى منا في التأثر والمواصلة لعكس ما نتمنى.
قيمتنا اليوم محتكرة لوسائط الميديا .. المؤثرون يتحكمون في مزاجنا بالتوجيه التقني.. ضاع المثقفون والمصلحون الاجتماعيون وحتى مرشدو الطلاب في سراديب هذا الفضاء المتجانس ضدهم، معايير التربية شابتها فيروسات تكاثرت فملأت أجواءنا وفقدنا مناعة أجسامنا وأفكارنا، وفي النهاية نستطيع القول: لقد انتصروا علينا .. من على من ؟ نسأل انفسنا!!