قرأت من القصص الواقعية والخيالية والأساطير الكرتونية الشي الكثير في صباي وشبابي، كنت أحرص على شراء الأعداد الجديدة والمستعملة من مكتبات الرياض في شارع البطحاء، ومن بائعي الكتب في حراج الكويتية، ومن باسطي الكتب على رصيف شارع الوزير، ، جمعت مجلدات سوبرمان والوطواط والبرق وطرزان وبونانزا وجمعت قصص ارسين لوبين وروايات فيكتور هيجو وتحريات شارلوك هولمز المترجمة وتبادلت النسخ مع زملاء كانوا مثلي بالشغف للحصول عليها.
كنت أرغب أن أكون مثل سوبرمان في طيارنه بمعطفه الأحمر يحاول إنقاذ العالم من مشاكل لا حصر لها، ومثل الوطواط في تجوله الليلي بمعطفه الأزرق، ومثل المحقق أرسين لوبين أو هولمز في دهائهم وهندامهم الذي جعلني وقتها أتمنى الدخول الى سلك الشرطة لحل آلغاز الجرائم !، هذا طبعاً لم يحدث، نسيت كل القصص وفقدت مجلداتها مثلما نسيت وفقدت الكثير من هذه الأشياء، وأصبحت جزءاً من الذاكرة التي أتوق الى السرحان في أوقاتها الماضية.
بعدها في عمر متقدم، جمعت كتباً واقعية الحدث فصيحة اللسان، بعضها قرأت نصفها وتركت الصفحات الباقية، بعضها جمعتها لأن عناوينها متداولة وبعضها لشهرة الكاتب حينها، بعض الكتب مازالت كما أشتريتها، لم أقلب فيها صفحة واحدة، وبعضها بل الكثير لم تكن توافق هواي ولا فكري ولكن الزمن حكم وللأزمان وقع بحسب الظروف.
بعدها بفترة، إكتشفت أن الكتب التي طبعت في بيروت تختلف في سردها التاريخي وصياغتها اللغوية عن ماطبعت في القاهرة وما طبعت فيما بعد في الرياض، كتب عرفت منها الوجودية بمختلف الألحان منها نشاز ومنها مقبول، وكتب أغراني العنوان، منها مقامات لكل منظر في كل مسألة بفهم إيمانه وقناعته، ومنها دوواين أشعار إختلفت في شكل القوافي واللهجة و في تعريف الحب، وتفرقت بين مفهوم الحياة بين الشمال والجنوب.
تنوعت الكتب التي جمعتها، منها مجلدات بأغلفة سميكة تتباهى في ألوانها وفي خطوط إسم المؤلف والعنوان الذهبية عليها، وبين كتب فقدت غلافها بسبب تنقلي بين المدن والمنازل التي عشت فيها، كتب متنوعة المواضيع لغتها عربية وأجنبية جمعتها في أسفاري قرأت بعضها في الطائرة ثم تركته تحت مقعدي عند نزولي.
تنوع الحال في قراءتي وفي إحتفاظي للكتب ولكن كل كتاب يعني لي ذكرى مكتوبة على ورقته الأولى بالمكان والتاريخ والإهداء إن كان، الآن استقر بي الحال ونظمتها في أرفف خشبية منسقة، أعود لها واقفاً أنظر الى عناوينها من بعيد لإستذكر أزمنة مضت، أنظر اليها في زمن تغير فيه الفكر و السلوك، بعضها كان حلالاً شراؤها وإقتناؤها أما الآن أصبح بعضها من ضمن الممنوع بيعها والمرفوض الإقتداء بفكرها، والبعض لا يتعانق مع نضوجي وعمري من ناحية الموضوع وأحياناً كثيرة من ناحية الكاتب، بقي القليل جداً الذي يمكن قراءته لأنه سليم الفكر ونقي العبارة.
أيقنت بعد كل هذه المسيرة مع الكتاب والقراءة أن قصص الخيال كان تأثيرها أفضل على توسع مداركي، وعرفت أن قراءة المستقبل افضل من قراءة الماضي، عرفت أن القصص التي قرأتها في صغري بشغف وبإقتناع كانت في عقلي أفضل من الكتب التي إشتريتها لاحقاً، كانت فترة منتصف العمر في حكم الوصاية على عقلي ولكنها لم تنجح معي، كانت بشكل أساسي بسبب توجه مجتمعي مفروض وبدواعي أيدلوجية، وكانت مظهر ثقافي سائد في ذلك الزمن الغابر والذي إنطلى على الكثير من حيث التظاهر والتوازي مع سير الناس في تلك السنين المظلمة.
في القديم، كان الكتاب المطبوع ورقياً في حصار وفي دائرة الرقيب المؤدلج، كان مجرد ورق بدون معاني تؤثر لأنه محكوم بالرغبة لفرض رأي أو نشر الرأي الواحد من مجموعة واحدة تريد أن تكون هو سيدة الفكر وسيدة الكلام والخطاب.
أما الجديد والجميل الآن، أن الكتاب والقراءة أصبحت حرة في زمن الإنترنت، إختفى القلم والورقة وأصبحت حرية القراءة واسعة، أستطيع أن أقرأ كل شيء بدون فروض راغمة ولا ممنوعات لغوية، أستطيع الإبحار في كل كتب العالم وأن أقرأ ما أشاء وبشغف، المهم أنني أملك عقلي وفكري بلا وصاية وأنا حسيب نفسي ورقيبها.