مواضيع منوعة

حاسة الشغف

تمتع الإنسان البدائي بملكة الحاسة السادسة، كانت الغابات والجبال الوعرة والصحاري القفار مكان عيشه، فتعلم كيف يتجنب الخطر وكيف يعتاد على تشغيلها وتوظيفها بواسطة هذه الإحساسات الفطرية، بينما نحن فقدنا القدرة على أداء هذه الوظيفة وأصبحت هذه الحاسة عضوا خاملا في جسدنا في هذا العصر بسبب المدنية المنظمة والمفرطة.

أكتب عن الشغف مثلما كان الإنسان منذ القدم شغوفا لمعرفة الأشياء كلها، الإنسان شغوف ويطرح الأسئلة عن نفسه وما حوله. يولد الشغف عندما ترتفع معنى الفلسفة عند الإنسان، الظن أن لا حياة دون شغف فمنه ينبثق الإبداع ليصل إلى التنفيذ ويشيد أفقا من حب صغير، ينطلق الإنسان بعدها ويراكم معرفته حتى يصل إلى مبتغاه، يسهم في صناعة الحياة الجميلة والارتقاء لقيمها.

بجانب الموهبة يعشق الإنسان الشغوف أن يكون حليفا لجمال الحياة وكأنه يقول أنا هنا… ربما البعض يستثير الغيرة والتنمر والتهكم على كل شغف، ولكن عندما ينضج ما بداخل الشغوف يصبح صاحب علائق تدهش الآخرين… يصبح حضوره معرفيا ذا أحاسيس إبداعية لا يمكن العثور عليها في دروب عادية.

لا شيء يظهر التعبير والإبداع المميز سوى الشغف بالعمل الجمالي حينما يضع المبدع بصمته بشكل لا يشبه غيره. يرتحل الشغوف إلى عوالم بعيدة تضيف مصطلحا وتصنيفا جديدا لحالة الشغف، تتطور خاصة في عصرنا الحديث بثورة المعلوماتية والتقنية.

لكن ما السر وراء هذا الشغف وما قوة هذه الظاهرة لدى الشغوف؟، إنها الصنعة وفيها مشقة واجتهاد، والصبر الطويل فيه بلورة للفكرة الاستثنائية، والاستجابة المتأنية لهذه القدرة الفائقة لدى الشغوف فتثير العجب من حوله، هي تهذيب للعقل وتجويد في الارتقاء بمستوى الفكر.

قد يستجلي البعض الشغوف عن مدى حبه لهذا الاختيار الصعب في تعلم الأشياء من أدب وكتابة وفنون وعلوم وطب وطيران وغيرها، مهن ومعارف أدخلتها التقنية في عوالم استكشافية غير تقليدية، فكانت نفعا للبشرية ولمستقبل واعد.

لقد ولى عهد الفطرة وأتى عهد نبع التقنية ونهل المعارف المعقدة التي تثري الإنسان من منبعها دون انقطاع… ودون الابتكار والمثابرة تنطفئ شموع من قال إنه شغوف لأن شغفه محدود في بصره وفي صبره. والله الموفق…

عن عثمان بن أحمد الشمراني

كاتب ومدون سعودي يدير مدونة شخصية بعنوان “ مدونة عثمان بن أحمد الشمراني “، يشارك تأملاته ومقالاته في مجالات الحياة،الثقافة والذكريات مع عامة الناس.

شاهد أيضاً

وهم وغم

ظنوننا الظاهرة هي مخاوف دائمة، نحاول أن ننسج أوهاما لعلها تعكس المنطق لنتعايش معها كافتراضات …