يصعب علي تصنيف مجال (الشغل) لكل ممن أعرفهم، والشغل أعني به وظيفتهم في الحياة بكل جوانبها، أعرف منهم المهندس والطبيب والإداري الناجح وغير ذلك ،لكنهم أيضاً هم أدباء بكل أجناس العلوم الإنسانية .. ليس بالضروري أنهم تلقوا تعليماً عالياً أو في تخصص نادر، إنما مواهب نشأت في وقت مبكر بحسب ظروف اكتسبوها من تجارب ومن ثقافة ذاتية مكنتهم من التمرس في مختلف المعارف ولقواعدها.
هؤلاء الجلساء، يأخذونني الى أراضيهم حيث الزهر والغيث .. يخترقون أقاصي نفسي العميقة بكل رقة وسهولة .. أستفيد وأنبش من أعماقهم الثقافة المنسية .. كأني أسبح في مشارح معلوماتهم وحكمتهم ورزانتهم و استوحي بشغف فنون العلوم والثقافة .. أفقد في جلوسي معهم استقلاليتي وأخضع للإقامة المعرفية الجبرية.
يحق لي بعدها أن أسائل نفسي عن فارق المسافة عن ما يتحدث به جليسي، وأعده مكسباً لي بمنافعه واختراقاته لتساؤلات تفصيلة، يعبر في همومها بصياغة تصحيحية لمكامن جدلي الواسع.
في حواري مع الجليس الصالح، أجول في حلقة المفاهيم بين المفترض والجاهز وأشعر بالتبرئة ويتجلى امامي الخلل البين في آراءي .. أبقى صامتاً وأتطلع لمصالح متبادلة وأربط الإدراك بالعقل .. استخلص الخبرة وأخذ بعين الإعتبار التكامل بين نفوذي ونفوذ الآخرين .
في أثناء الجلسة، تحين الحكمة وأقسمها بالتقسيط في ملفات تفكيري فتنشأ طاقة أتفاوض معها، ثم أتفق مع قلبي وعقلي لتوسيع مساحة التفكير الإيجابي المضمون.
هناك فروقات بين حزن الظن وحسن الظن فالاتهام بالهيمنة جاهز في الحزن ، أما التعبير بالتفاهم فهو ميزة الوجه والرأي الحسن .. إنه جليسي المفضل “حامل المسك”.
يقول النبي ﷺ: المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل ويقول ﷺ: مثل الجليس الصالح كحامل المسك: إما أن يحذيك يعني: يعطيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ومثل الجليس السوء كنافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة.